[إقامة العاجز عن الحج من يحج عنه وأنواع الإجارة في الحج]
[لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه من حيث وجبا] أي: يلزم الشخص الذي لا يستطيع الحج والعمرة؛ لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أن يقيم غيره إن كان قادراً؛ لأن الله عز وجل فرض عليه الحج في نفسه إن استطاع، فإن لم يستطع فهو قادر على استئجار من يقوم بالحج عنه.
والإجارة تنقسم إلى نوعين: النوع الأول: يسمى بإجارة البلاغ: وهي أن تأخذ من الشخص الذي تريد أن تحج عنه مقدار نفقتك وما يبلغك الحج، فلو كانت النفقة تقدر بثلاثة آلاف ريال للحج متمتعاً أو قارناً تقول: أعطيني ثلاثة آلاف ريال فتذهب وتسافر، فإن نقص المبلغ وجب عليه أن يكمله، كما لو حججت وسرت بالقصد، وعلى حسب الشرط وعلى حسب الاتفاق، فحصل عجز عندك بخمسمائة ريال، فحينئذٍ لزمه أن يدفع الخمسمائة، وإن كان متوفى فإنها تخرج من تركة الميت وتضمن.
هذه الإجارة جائزة بإجماع العلماء رحمة الله عليهم، لما فيها من المعونة على البر والتقوى، والإنسان لا يأخذ فيها حظاً لنفسه، وإنما يتقوى بها على عبادة الله عز وجل، وإسقاط الحق عن أخيه المسلم.
النوع الثاني من الإجارة: يسمى بإجارة المقاطعة والمفاضلة، فيكون فيها الشيء أشبه بالسوم، يقول له: تحج عن ميتي بألفين، فيقول: لا، بل بثلاثة.
أو قال: بثلاثة.
فقال: لا، بل بأربعة.
فيكون السوم بينهم والمقاطعة، كأنه يبحث عن ربح وفضل، فهذا النوع، للعلماء فيه قولان: القول الأول: لا يجوز هذا النوع من الإجارة؛ لأنه يتخذ العبادة وسيلة للدنيا، والحج إنما يراد به وجه الله عز وجل، ولا يراد به أي شيء سواه، وشددوا في هذا النوع من الإجارة.
القول الثاني: يجوز؛ لأنها قربة ليست بفرض عين، والقرب التي هي من فروض الكفايات يجوز أخذ الأجرة عليها ولو فضلت، كما في الأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الأذان على أبي محذورة فلما أَذَّنَ ألقى عليه أسورة من فضة، قالوا: وهذا يدل على مشروعية المكافأة على الطاعة، إذا لم تكن فرض عين على الإنسان.
فلما قام بها تفضلاً عن أخيه المسلم جاز له أن يأخذ الفضل والزيادة.
وفي النفس شيء من هذا القول، فالأفضل أن الإنسان يأخذ أجرة البلاغ حتى يصيب الأجر من الله عز وجل، وهذا في حق طلاب العلم وأهل العلم آكد، لما فيه من صيانة وجوههم، وصيانة العلم وحفظ حقه الذي جعله الله عز وجل نوراً في صدورهم، من أن يكون مظنة الامتهان والابتذال واستخفاف الناس بهم.
فالأفضل والأكمل على طلاب العلم ونحوهم من أهل الفضل أن لا يأخذوا مثل هذه الإجارة، إلا على سبيل البلاغ، فإن قدرت من نفسك أن تحج تفضلاً فهذا أفضل وأعظم أجراً، وثوابك على الله، ومن كان أجره على الله فنعم الأجر ونعم الثواب في الدنيا وفي المآب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
ومن أعظم الإحسان أن تحسن إلى أخيك الميت أو أخيك المسلم فتسقط عنه فريضة، وبذلك يأجرك الله أجر الفريضة، خاصة إذا لم تأخذ عليها مالاً؛ فكأنك حججت فرضاً، وهذا لا إشكال فيه من جهة وجود العناء والتعب والنصب، إذا قصد الإنسان وجه الله عز وجل.