[صفات الخوارج كما جاءت بها الأحاديث]
وقد صحت النصوص في وصفهم كما في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج في آخر الزمان ... ) قوله: (في آخر الزمان) فسره علي رضي الله عنه بالخوارج، وقال بعض العلماء رحمهم الله: إن هذا لا يختص بزمان علي، فإن علياً رضي الله عنه كانت عنده نصوص أخرى غير هذا الحديث.
لكن لا ينبغي لطالب العلم أن يجعل هذه الصفة نصب عينيه، وأن يعلم الزمان الذي هو فيه، قال: (سيخرج في آخر الزمان أقوام حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) حداث الأسنان: صغار السن.
سفهاء الأحلام: في عقولهم ونظرهم سفه وخفة.
يقولون بقول خير البرية: أي كلهم يدعي أنه صاحب سنة وأنه صاحب حق وأنه أولى بالكتاب والسنة.
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية: في اللفظ الآخر: (يقرءون القرآن) وفي لفظ آخر: (لا يجاوز الدين حناجرهم) أي: تجده يقول لك: أنا مسلم، أنا مؤمن، أنا على مذهب أهل السنة والجماعة؛ لكن لم يدخل الإيمان في قلبه، ولا يرقب لمؤمن حرمة، ولا يرعى فيه ذمة؛ لأنه لو كان في القلب إيمان، لكان أخوف ما يخاف من حدود الله عز وجل، وأبعد ما يكون من محارم الله؛ لأنه لا يعصم الإنسان -بعد توفيق الله عز وجل- شيء مثل الإيمان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فبين عظيم أثر الإيمان في القلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن إيمانهم في ألسنتهم ولكن لم يستقر في قلوبهم.
واليوم -ما شاء الله- في الإنترنت -ولا نسمي أشخاصاً معينين- تجد الطفل الصغير عمره ١٧سنة يمسك عالماً من أئمة السلف لكي يرمي به في جهنم وبئس المصير: (حداث الأسنان، سفهاء الأحلام) لأن مثل هذا لو نظر من هذا العالم الذي يكفره أو يبدعه أو يضلله، وماذا وضع الله له من القبول، وما نفع الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم لردعه عقله، لكن لا دين ولا عقل -نسأل الله السلامة والعافية-.
هذه من صفاتهم وهذا أمر بسيط، لكن أعظم من ذلك ما كانوا عليه من الجد والاجتهاد في العبادة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث علي: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم) فكان الخوارج من أعبد الناس، وهم من أضل خلق الله، إذا جن عليهم الليل فما ترى منهم إلا قائماً، وإذا جاء النهار لا ترى فيهم إلا صائماً، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث علي: (تحقرون) وفي اللفظ الآخر: (ليست قراءتكم مع قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم مع صلاتهم بشيء، ولا صيامكم مع صيامهم بشيء) نسأل الله السلامة.
فلما سفهوا علياً رضي الله عنه، وأعرضوا عن علماء الصحابة، وتركوا الرجوع إلى أهل العلم، وأصبحوا يفهمون الدين بفهمهم وبأهوائهم وآرائهم؛ عندها زلت القدم، وعندها تكون العواقب الوخيمة؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الحق بدون عالم له بصيرة ونور.
فالخوارج وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، مع أنهم كانوا أعبد الناس، يقول ابن عباس -وهو الصحابي الجليل العابد الذي نام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم-: لما دخلت عليهم هالني ما رأيت، رأيت وجوهاً مقرحة من كثرة السجود، وأيدي قد ذهبت من كثرة الجثية عليها في السجود، والركب تكاد تنمحي.
ويقول أبو حمزة الشاري: في خطبته بقديد حينما أتى إلى مكة، وكان من الشراة وهم من أشد الخوارج، وكان يقال لهم: الشراة؛ لأنهم اشتروا الآخرة كما يزعمون، وقيل: اشتروا الجنة بقتل أنفسهم والجهاد، وقيل: لأنهم شراة من الشري بمعنى البيع؛ لأنه من الأضداد، كأنهم باعوا أنفسهم لله عز وجل؛ وكان الخوارج لا يعرفون الكذب، ويرونه كفراً؛ لأنه من الكبائر وهم يكفرون بالكبائر، فيصف أصحابه هذا الوصف العجيب الغريب، يقول: يا أهل الحجاز أتعيرونني بأصحابي، وتزعمون أنهم شباب؛ شباب مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح، قد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة طار شوقاً إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار؛ حتى إذا رأوا السهام قد فوقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت؛ أقبل الشاب منهم قدماً حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجه، فيالله، كم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خشية الله، وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في السجود بين يدي الله.
اهـ.
لقد كانوا أشد الناس عبادة وقرباً إلى الله عز وجل، وأمرهم في ذلك عجب، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) إذاً: لا بد من العلم والبصيرة؛ كما نبه العلماء والأئمة رحمهم الله أن الفتن لا يعصم منها إلا الإيمان بالله عز وجل، والرعاية لحرمات الله سبحانه وتعالى، ورعاية حرمة المسلم وذمته والخوف من الله عز وجل، وتأدية حقوق العباد، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والبصيرة.
هذه الثلاث إذا جمعها الله للعبد سلم واستقام له دينه، خاصة في الفتن، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.