[أحكام النفقة على الرقيق]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وعليه نفقة رقيقه طعاماً وكسوة وسكنى].
شرع المصنف رحمه الله في بيان ما يجب على السيد تجاه عبيده ومواليه، وهذا الفصل في الحقيقة تابع للذي قبله من جهة كونه من فصول النفقات، وقد تقدم أن النفقات في الإسلام لها ثلاثة أسباب: السبب الأول: النكاح والزوجية.
السبب الثاني: النسب والقرابة.
السبب الثالث: المِلك، ويشمل مِلك اليمين وملك الدواب والبهائم.
وبعد أن بيّن المصنف رحمه الله النفقات المتعلقة بالزوجية، وأحكامها ومسائلها، بيّن رحمه الله أحكام النفقات من جهة النسب، ثم بعد ذلك شرع في بيان أحكام النفقات المتعلقة بملك اليمين والنفقة على البهائم.
وفي الحقيقة أن النفقة على المملوك والرقيق أمر فرضه الله عز وجل على عباده، وهو يدل دلالة واضحة على سماحة الشريعة، ولقد كان في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من النصوص ما يدل دلالة واضحة على عظمة هذا الدين، وسموه وكماله، وأنه أبعد مما وصفه به أعداء الإسلام من المنقصة والمعايب التي ألصقوها به زوراً وبهتاناً، خاصةً في مسألة الأرقاء.
فمن هنا ومن هذا الدين ومن أنوار التنزيل، كانت الحقوق الواضحة البينة التي بيّنها رب العالمين الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين، هنا حقوق المخلوقين تامة كاملة، هنا يوصف الشخص فيبين ما الذي له وما الذي عليه، هنا النظرة الكاملة التامة؛ لأنه تشريع الحكيم العليم الذي تمت كلمته صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، وهنا المناداة بالحقوق دون أن يتقمصها المنادي لأغراضه الشخصية، وهنا النظر للحقوق دون أن تكون نظرة عمياء أو نظرة عوراء تنظر للحقوق التي لها دون الحقوق التي عليها.
فهذه عظمة الإسلام تتجلى وتظهر في أبهى صورها وأجمل حللها، دون كذب وافتراء ومبالغة وخداع للناس وتمويه عليهم، فهذه الأبواب التي انعقدت في الفقه الإسلامي في بيان الحقوق التي منها حقوق النفقة؛ انظر فيها كيف يكون الترابط، يقال للشخص: أنفق على زوجتك ولا تظلمها، وأعط المرأة حقها.
ويقال للمرأة: أعطي حق الرجل، ويقال للسيد: أعط حق المملوك ومن جعله الله أمانة في عنقك ورقبتك، وأنت مسئول عنه أمام الله عز وجل، ويقال لللملوك: أدّ حق سيدك.
هنا العدل والإنصاف التي قامت عليه السماوات والأرض، وهنا الحقوق واضحة جلية قائمةً على العدل الإنصاف الذي لا يمكن أن تستقيم أمور العباد إلا به، ولا يمكن أن تستقيم أحوال البلاد إلا بهذا الذي شرعه الله جل وعلا، وبيّنه سبحانه وتعالى.