قال رحمه الله تعالى:[وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان].
إمام المسجد هو الذي يسميه العلماء: الإمام الراتب.
والإمام الراتب سواءٌ أكان من قبل ولي الأمر كما يحصل الآن، حيث يكون الإنسان مرتبطاً بالإمامة ومعيناً فيها، فهو أحق ويُقدم على غيره، أم كان راتباً لأن أهل الحي أحبُّوه، ورضوا به أن يتقدمهم، فهو إمامٌ راتب، فيُقدم ولا يتقدم عليه أحد إلا بإذنه.
أما الدليل على تقديمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- لما تأخر في قُباء ليُصلح بين حيين من بني عوف جاء إلى المسجد وقد تقدم أبو بكر يصلي، فسبّح القوم فلم يلتفت أبو بكر -وكان رضي الله عنه خشوعاً في صلاته مقبلاً-، فلما أكثروا عليه التشويش التفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتأخر رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا لمكان أحقية النبي صلى الله عليه وسلم مع النبوة ومع الولاية، وأحقيته كذلك بالإمامة الراتبة ولذلك استنبط العلماء رحمهم الله أنه إذا حضر الإمام الراتب في الركعة الأولى حُقَّ له أن يتقدم، وهذا نص عليه غير واحدٌ من السلف، فلو حضر أثناء إمامة هذا المستخلَف الذي وُضِع من قبل الناس، أو تقدم من نفسه وحضر الإمام الراتب فمن حقه أن يؤخِّره ويتقدم ويُتم بالناس صلاتهم، وهذا مذهب طائفة من العلماء، وتدل عليه السنة.
وذهب بعض العلماء إلى تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لقول أبي بكر: (ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: كان يتأوّل آية الحجرات.
والصحيح أنه على ظاهره، وإمام الحي إذا حضر فإن إمامة من دونه إنما كانت لضرورة وحاجة، وما أبيح للضرورة والحاجة يبطل بزوالها، فيتأخر ويتقدم الإمام الراتب، وهذا إذا كان في الركعة الأولى، أما إذا كان في أثناء الركعة الثانية والثالثة فمن حقه أن يتقدم، ثم الناس يثبتون بعد تمام صلاتهم، ويُتِم كصلاة الخوف، ولكن نظراً لجهل كثير من الناس وعدم معرفتهم بالسنن وحدوث التشويش، إذ قد يُحدث هذا إرباكاً في المسجد، فحينئذٍ إذا اقتصر الإمام وبقي في آخر القوم فلا حرج، ولكن لو أراد الفضل فله أن يتقدم؛ لأن صلاته بالناس لها فضل، ولا إيثار في الفضل؛ لأنه إذا تأخر فقد آثر غيره بهذا الفضل، ولذلك قالوا: لو رضي أن يتنازل عن هذا فلا حرج.
وقوله:[إلا من ذي سلطان] هو لمكان الولاية كما قلنا.