للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من عوامل الاستمرار في طلب العلم]

السؤال

لقد قدمت إلى هذه البلاد لطلب العلم، وأسأل الله أن يجعل نيتي ونية كل مسلم خالصة صادقة، وما إن أحضر إلى حلق العلم والدروس حتى يأتيني الشيطان ويرغبني عن العلم، ويصرفني عنه، ويضعف عزيمتي، ويشغلني بما لا يفيد، فقسا قلبي، وانشغلت عن كتاب الله، وعن الاجتهاد في الطلب، واجتمعت عليَّ هموم وغموم، وأشعر بضيق شديد، فاشدُد من أزري بنصح منك -حفظك الله-، أسأل الله أن ينفعني وإخواني بما تقول.

الجواب

أما الوصية التي أوصيك بها أخي في الله! أن تعتمد على الله، فإنه نعم المولى ونعم النصير، وما نزل بك ما هو إلا بلاء من الله، إما بسبب ذنب بينك وبين الله، أو أن الله يريد أن يرفع درجتك، فسلَّط البلاء عليك، فإن كنت تريد النجاة فاستدِم الاستغفار، لعل الله أن يرحمك إن كنت عاصياً، وربما كان ذلك بسبب غرور في نفسك، فإن طالب العلم قد يبدأ طلب العلم فيُصاب بالغرور، أو يزل لسانه بكلمة، أو يحدث منه أمر يُغْضِب اللهَ عليه، فيسلب نعمة العلم والرغبة عنه على قدر ما أصاب من ذنب، قال سفيان رحمه الله: أذنبتُ ذنباً فحُرِمْتُ قيام الليل أربعة أشهر.

وأما الأمر الثاني فهو: أن تحسن الظن بالله، فلعل الله يريد أن يبلغك مرتبة لا تصل إليها إلا بامتحان وابتلاء، وقلَّ أن تجد طالبَ العلم طَلَبَ العلم إلا وجاءه ما ذكرتَ، بل وأشد مما ذكرتَ، والله يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:٢٤] فالله يجعل العبد إماماً إذا صبر، ولذلك قال العلماء: إن الله عز وجل لَمَّا أوحى إلى نبيه أخذه جبريل فغطه حتى رأى الموت، ثم أرسله، ثم غطه، ثم أرسله، ثلاث مرات، قالوا: لكي يبين أن العلم لا يأتي إلا بعد امتحان وابتلاء.

فضاق قلبُك، ولعل هذا الضيق يكون ابتلاء كما ابتلي الحبيب صلوات الله وسلامه عليه عند الوحي، هذا إذا أحسنت الظن بالله، واشدد عزيمتك بالله، واستعن الله، فإنه نعم المولى ونعم النصير.

وكثير من طلاب العلم يأتيهم الهم ويأتيهم الغم ويأتيهم التثبيط من الناس، فمنهم من يقول: إلى متى تنتهي من دروسك، ولربما تجلس العشر سنوات والعشرين سنة وأنت في هذه الحلقة، أو عند العالم الفلاني، ولا تنتهي! كل ذلك ابتلاء، فإن صَدَقَ مع الله صَدَقَ معه، وكم وجدنا من المثبِّطين والمخذِّلين حتى خَذَّلَهم الله عز وجل عنا.

فتعلق بالله، واعلم أنك في جنة، وروضة من رياض الجنة، وهي العلم، فاستَدِم سؤال الله جل وعلا أن يثبت قدمك، وأن يحسن العاقبة لك.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا من العلم حلاوته وطلاوته، وأن يجعل لنا موجبات رحمته، وعلو درجاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>