[شروط الموقوف عليه]
قال رحمه الله: [ويشترط في غير المسجد ونحوه أن يكون على معيّن يملك، لا ملَكٌ وحيوان وقبر وحمل لا قبوله ولا إخراجه عن يده] أي: ويشترط في الوقف إذا كان على غير مسجد ونحوه أن يكون على معيّن.
والمعين: ضد المبهم والمجهول سواءٌ حدّد الجنس أو لم يحدده، فلو قال مثلاً: داري هذه وقف على أحد هذين الرجلين لم يصح؛ لأننا لا ندري أيهما، ولم يحدد أي الرجلين، فلو جئنا نصرف لأحدهما احتمل أن يكون الآخر، فلا بد من التعيين.
فلا يصح أن يقول مثلاً: أوقفت داري هذه على رجل من المسلمين، أو على واحد منكم، دون أن يُعيِّن، ففي هذه الحالة لا يصح الوقف؛ لأنه وقفٌ على مبهم، وقد نص الأئمة كالإمام ابن قدامة رحمه الله والإمام النووي أن من شرط صحة الوقف أن يكون على معيَّن، وأن يكون هذا المعيَّن يملك، فلا يصح أن يوقف على من لا يملك كما سيذكره المصنف رحمه الله.
قوله (في غير مسجد): المسجد إذا أوقفه الإنسان فهو ليس على معين؛ لأنه لعموم المسلمين، فإذا أوقف المسجد أو أوقف سبيلاً للشرب، أو نحو ذلك، فهذا على غير معيَّن، والوقف في هذه الحالة صحيح مع أنه لم يحدده بشخص معين أو جهة معينة.
قوله: (أن يكون على معين)، في بعض الأحيان يجعل التعيين بالشخص فيقول: داري هذه وقف على فلان وذرِّيته من بعده، ويسميه، فحينئذ عيَّن، وذريته من بعده مستحقين لهذا الوقف.
وفي بعض الأحيان يعيِّن بذكر صفة من الصفات كقوله: داري هذه وقف على الفقراء، داري هذه وقف على المساكين، داري هذه وقف على طلبة العلم، ونحو ذلك، فهذا يُنظر فيه، فيكون كل من اتصف بهذه الصفة من الفقر والمسكنة وطلب العلم؛ مستحقاً لهذا الوقف.
قوله: (يملك) أي: يشترط أن يكون الوقف على معين، وأن يكون هذا المعين يملك، فخرج الحمل، لأنه لا يملك، وهكذا الملَك، فلو قال: داري هذه وقف على مَلَك من الملائكة أو على الملائكة فهذا ليس بصحيح، ولا يصح الوقف على هذا الوجه، ولذلك قال: (لا مَلَكٌ)، وكل هذا تطبيق للشرط، أي لا يصح الوقف على مَلَكِ.
وقال: (وحيوان) لأن الحيوان لا يملك، فلو قال -مثلاً-: أوقفت مزرعتي هذه على أن يُصرف ثلث منها طعمة للدواب، فهذا من الصدقات، أو قال -مثلاً-: أوقفت هذا المال سقيا للدواب على الطريق، مثلما يقع في بعض الآبار تكون وقفاً وسبيلاً يُستقى منها للدواب، فإذا أوقف على هذا الوجه فليس مراده أن يملك الحيوان، وإنما مراده الرفق بالحيوان بشربه وانتفاعه، فالوقف صحيح على هذا الوجه.
وقال: (وقبر)، أي: وهكذا لو أوقف على قبر، لأن الإنسان لا يملك بعد موته ملكاً مستأنفاً.
وقال: [وحمل]، أي: إذا سمى أثناء الوقف أو رتّب، فإذا قال مثلاً: داري هذه وقف على أولادي، وعنده جنين في بطن أمه لم يستحق شيئاً في تلك السنة، ولو كانت المرأة حاملاً به أثناء تلفظه بالوقف، فإذا خرج حياً فحينئذٍ يملك.
ولذلك فمن حكم الله عز وجل وفي شرعه أن الجنين لا يرث إلا إذا استهل صارخاً، أي: إذا خرج من بطن أمه حياً، ولو للحظة واحدة، وصرخ ثم مات فإنه يستحق الإرث، أما إذا نزل ميتاً فإنه لا يستحق، لأن الجنين لا يملك.