[حكم الصلاة في مسجد فيه قبر]
السؤال
ما حكم الصلاة في المسجد الذي به قبر؟
الجواب
لا تجوز الصلاة في القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى، واتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: يحذر مما صنعوا.
أي: يُحذِّر أمته أن تصنع كما صنعت اليهود والنصارى.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح يبيِّن لنا أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد، فلا تجوز الصلاة على قبر، ولا عند قبر، ولا بين القبور، وكذلك لا تجوز الصلاة إلى القبور، كأن تكون جدرانها متصلة بالمساجد.
وهذا القول قال به جماهير السلف رحمة الله عليهم، وقال جمعٌ منهم بعدم صحةِ الصلاة، وأنها باطلة ولو صلى في المقابر فإن صلاته غير صحيحة.
ويستثنى من هذا الصلاة على الجنازة في القبر إذا دُفِن وقُبر، فقال بعض السلف بجواز الصلاة على الميت بعد قبره، ثم اختلفوا في المدة فقال بعضهم: في حدود ثلاثة أشهر.
وقال آخرون: في حدود ستة أشهر.
وقال آخرون: ما لم يبلَ.
فهي ثلاثة أقوال للعلماء الذين يقولون بجواز الصلاة على القبر بعد دفنه، وإن كان الأقوى والأولى من ناحية الدليل أن الصلاة على القبر مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما صلّى على المرأة التي كانت تقيم المسجد قال: (إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم)، فهذا يقتضي التخصيص كما يقول الجمهور، حيث قال: (ينورها بصلاتي)، وهذه رواية مسلم، لكن لو أن إنساناً صلّى على قبر يتأول قول من يقول بالجواز فلا حرج.
فالشاهد أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لعدم صحة الصلاة فيه، ولأنه ذريعة إلى الشرك والعياذ بالله؛ فإن الصلاة على القبور أو عند القبور تفضي إلى تعظيمها، وقد حدث الشرك أول ما حدث في قوم نوح بتعظيم الصالحين، وذلك حينما صوّروا صورهم، ثم جاء مِن بعدهم جيل فعبدوهم والعياذ بالله، وكان السبب في عبادتهم تعظيم الأوائل لهم.
فالصلاة عند القبر تعظيم له، فقد يُعتقد أن هذه البقعة لها فضل ولها مزيَّة، ولذلك إذا فُتح هذا الباب للجهال فإنهم يسترسلون ويقعون في الشرك -والعياذ بالله-، كما هو واقع في بعض الأماكن -نسأل الله السلامة والعافية-؛ فإنه لما بُنِيت المساجد على القبور طافوا واستغاثوا بها، وذبحوا ونذروا لها -نسأل الله السلامة والعافية- حتى إنهم يعظمونها كتعظيمهم لبيت الله الحرام -نسأل الله السلامة والعافية-، بل إن بعضهم لو دُعي إلى تعظيم شيء من هذه الأمور فإنه قد يُعظمها أكثر من البيت، فلو دُعي للحلف عند قبر فلان من الصالحين ودعي للحلف عند الكعبة لربما وجد أن الحلف عند قبر الصالح أشد وأعظم من الحلف عند البيت، وقيل لرجل: أتحلف بالله؟ فحلف بالله أيماناً مغلظة أنه ما فعل.
فقيل له: احلف بفلان الصالح؟ قال: لا.
فأصبح -والعياذ بالله- تعظيمه لهذا أكثر من تعظيمه لله، وهذا بسبب الجهل، وبسبب التساهل في الذرائع التي تُفضي إلى الشرك، فلا تجوز الصلاة في القبور أو عندها أو الصلاة إليها.
والله تعالى أعلم.