للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم اشتراط الزيادة في الربح بسبب الحذاقة والخبرة في الشركة]

السؤال

إذا عمل شريكان بأبدانهما في عمل واحد، وكان عملهما متشابهاً وفي وقت واحد، إلا أن أحدهما أحذق من الآخر، وأكثر حرفة منه، فهل له أن يشترط زيادةً على شريكه؟

الجواب

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فلا يجوز أن يُنظَر في الشركة إلى مثل هذا من حيث الجملة، والسبب في هذا أن الشركة إذا دخل الاثنان على ربح فيها أو على اشتراك في النتاج الذي يكون منها، فإن الحذق من أحدهما والضعف من الآخر بمثابة الشيء الواحد، يعني: حذق هذا يجبر ضعف هذا، ولا نأتي ونقول: نميز بينكما بالحذق؛ لأنه أثناء الشركة يريد الله سبحانه وتعالى أن هذا الذي تقل زبائنه ويقل حذقه، يكون عمله أكثر من الحاذق، فالمسألة ليست بمضمونها، ولذلك يقولون: يدخل غالباً في الربح والنَّتاج: أن الشخص يتحمل مسئولية المخاطرة، مثلاً: إذا اشترك الاثنان في العمل، مثل الصيادين، والنجارين، والحدادين، ربما تجد الرجل من أمهر خلق الله؛ لكن لا يأتيه أحد أثناء مدة الشركة إلا الرجل والرجلان، وتجد الآخر أضعف حالاً منه؛ لكن يريد الله أنه في زمان الشركة جاءه أناس أكثر من الآخر، فلا نأتي نقيس ونقول: هذا بهذا، فالحذق وكثرة الزبائن وكثرة العملاء لا يلُتْفَت إليها؛ لأنها مدخولة على الخطر، وكل منهما قد حمل الآخر، وأصبح الضمان في العمل كالشيء الواحد، إذ لو جئنا ننظر إلى حذقهما لم تكن شركة؛ لأننا أعطينا كل واحد منهما حقه، فالشراكة تقتضي أن كلاً منهما يتحمل عن الآخر، ولذلك لو أن أحدهما دخل وهو أقل خبرة وشاء الله أنه لم يربح، وانكسرت التجارة، ثم دخل الثاني بعده، وشاء الله أن يكون أكثر خبرة، ونمت التجارة واستُثمرت، فلا يقل: أنا الذي نميت المال، ويكون الربح لي.

هذا ضابط عام من حيث الجملة في الشركة لا يُلْتَفَت إليه؛ لأنه لو جئنا نلتفت إليه خرجنا عن مقصود الشركة؛ لأنك ما شاركت إلا وأنت تريد أنك مع شريكك كالشيء الواحد، وأن موجب الشركة يحتم عليك أن تتحمل من شريكك ما يتحمله منك، وأن تضمن من شريكك ما يضمنه منك، وكل منكما يجبر كسر الآخر، وكل منكما يحسن إلى الآخر بما كان له من نتاج.

فأياً ما كان هذا النوع لا يُلتفت إليه، ولو جئنا ننظر في الشركات إلى القوة والخبرة فمعنى ذلك أننا سندخل في تفصيلات كثيرة، وسنخرج عن أصل الشركة، وهذا أمر من حيث الأصل العام في الشركة غير مقبول، ولذلك حينما ذكروا شركة الأبدان والعمل ذكروا حديث الاشتراك في غزوة بدر، فإن فيه أن عبد الله بن مسعود وعمار وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم اشتركوا، فجاء سعد بأسيرين، ولم يأتِ صاحباه بشيء، وسعد له بلاء في الجهاد أكثر من غيره، فما جاء يقول: أنا الذي أبليت وأنا الذي حصَّلت، ولو قال هذه الكلمة فإنه قد خرج عن كونه شريكاً؛ لأنه في هذه الحالة أصبح منفرداً عن الآخرَين بما كان من عمل، ومقتضى الشركة أن تدخل على الخطر، فإن كان فتح الله عزَّ وجلَّ لأخيك وشريكك فهذا خير لكما بمقتضى الاتفاق، وإن فتح الله عزَّ وجلَّ عليك ولم يفتح على شريكك فهو شريك معك؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قد جعلكما كالشيء الواحد بموجب هذا العقد والاتفاق.

فلا يُلتَفت إلى مسألة الحذق وعدمه.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>