[حكم رجوع الأب عن هبته لولده]
قال رحمه الله: (إلا الأب) أي: إلا الأب فإن له الرجوع في عطيته لولده من ابن أو بنت، فلو أعطى الوالد ابنه سيارة ثم رجع عنها، أو أعطاه -مثلاً- أرضاً ثم رجع عنها؛ كان من حقه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث السنن: (لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد مع ولده)، وفي رواية (إلا الأب مع ولده)، وهذا الحديث حسنه غير واحد من العلماء، وهو حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على أن من حق الوالد أن يرجع في عطيته مع أولاده.
لكن ينبغي التنبيه على مسألة وهي: أن الوالد يجوز له الرجوع في عطيته لولده لعدة أمور: أولاً: أن الولد مع الوالد كالشيء الواحد، وقد بيّن هذا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين لما بلغه أن علياً يريد أن يتزوج ابنة أبي جهل، وفهم عليه الصلاة والسلام أن هذا الأمر فيه نوع من الإغاضة والأذية لبنته وله عليه الصلاة والسلام، فرقى المنبر وقال: (والله لا آذن، والله لا آذن، والله لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله).
فالشاهد في قوله: (إنما فاطمة بضعة مني)، والبضعة من الشيء القطعة منه، فإذا كان يريد أن يرجع فكأنه يرجع في ماله هو، ولذلك فلا يجوز للوالد أن يعطي زكاته لولده، ولا يجوز للولد أن يعطي زكاته لوالده؛ لأن الوالد والولد كالشيء الواحد، وإذا ثبت هذا فالأب دلت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه مستثنى، فمن حق الوالد أن يرجع.
ثانياً: أن المحبة التي يكنها الابن لأبيه والبنت لأبيها لا يمكن أن تغيرها مثل هذه الأمور الدنيوية، خاصة مع عظيم الإحسان والفضل في سالف الزمن من الوالدين على الولد من النعمة العظيمة والمنة الجليلة الكريمة، التي لا يمكن أن يدخل معها الشك وسوء الظن، فانظر إلى حكمة الشريعة حينما تحرم الشيء لأسباب، فإذا زالت الأسباب؛ حكمت بحله.
ولذلك قال العلماء رحمهم الله: يجوز للأب أن يرجع في عطيته لابنه وبنته، ويكاد يكون الإجماع بين العلماء على ذلك.
وهناك قول ضعيف وشاذ -خاصة أنه يخالف السنة، والحديث واضح في هذا- يقول: ليس من حق الوالد أن يرجع في عطيته لولده، ويفصل في المنع، لكن الصحيح ما ذكرناه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الرجوع، لكن
السؤال
هل الجد والأم ينزلان منزلة الأب؟ من حيث الأم فوجهان: الوجه الأول: بعض العلماء يقول: إن الأم تنزل منزلة الأب؛ لأن المعاني الموجودة في الأب موجودة في الأم، والمفاسد التي تخشى من الرجوع مدفوعة في الأم أكثر منها في الأب؛ لأن إحسان الأم أعظم من إحسان الأب، ولذلك بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها الأحق بحسن الصحبة، وحقها آكد وأوجب.
الوجه الثاني: قال بعض العلماء: الأم ليست كالأب، كما هو رواية عن الإمام أحمد، ولذلك لما سئل عن هذه المسألة فرق بين الأب والأم، وبيّن أن للأب ولاية على ولده، والأم ليست لها ولاية على الولد، والفرق بين الوالد والوالدة في بعض الأمور التي نص الشرع على التفريق فيها بين الأب والأم يؤكد على أنه يملك الأب الرجوع دون الأم.
ولكن من جهة النظر والمعنى يقوى قول من قال: إن الأم تنزل منزلة الأب.
أما الجد فقد سماه الله أباً فقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨]، وقال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} [يوسف:٣٨]، فسمى الجد أباً، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحسن: (إن ابني هذا سيد)، وهو ابن بنته، وهو عليه الصلاة والسلام جد له، فالجد ينزل منزلة الأب في كثير من أحكام الشريعة.
وبناءً على ذلك قال طائفة من العلماء رحمهم الله: الجد له الرجوع كما للأب أن يرجع.