للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الشروط التي يشترطها المشتري]

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أو شرط المشتري على البائع حمل الحطب أو تكسيره].

تقدم بيان مسائل الشروط في البيع، وأنها تنقسم إلى قسمين: منها ما هو مشروع ولا يؤثر في البيع، ومنها ما هو غير مشروع، وبَيَّنا أن الشروط المشروعة منها شروط تقتضيها العقود -أي: عقود البيع- كأن يشترط عليه تعجيل الثمن أو التمكين من الاستلام أو إفراغ الأرض أو العقار أو نحو ذلك من الشروط، وهناك شروط هي من مصلحة العقد، كأن يشترط الرهن والكفيل الغارم إذا كان البيع بالأجل ونحو ذلك من الشروط، ثم يتبع هذا ما كانت فيه منفعة لأحد المتعاقدين فيشترط البائع شرطاً لنفسه فيه مصلحة، ويشترط المشتري لنفسه شرطاً فيه مصلحة، وبَيَّنا أن هذا النوع من الشروط جائز ومشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من جابر بعيره، واشترط جابر حملان البعير إلى المدينة، فهذه منفعة للبائع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيح: (من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، فهذا يدل على أنه يجوز أن تشترط مصلحة ومنفعة في العقد، خاصة إذا كانت متولدة من المبيع، مثل مال العبد ومثل النخل المؤبر، ويلتحق بالنخل المؤبر بقية الزروع، على التفصيل الذي سيأتي إن شاء الله في بيع الثمرة والأصول، لكن بالنسبة للصورة التي ذكرها المصنف أن يشتري منه حطباً ويشترط على البائع أن يكسره، ففي هذه الحالة المبيع هو الحطب يقول لك: أبيعك هذا الكوم من الحطب بمائة ريال.

تقول: اشتريت ولكن بشرط أن تكسره لي.

جرت العادة أن تكسير الحطب يكون بطريقة معيّنة وصفة معيّنة فيقوم البائع بتكسيره للمشتري، إذا قلت: اشتريت هذا الحطب وأشترط عليك تكسيره فهذا شرط واحد.

كذلك أيضاً لو قلت له: أشتري منك هذا الحطب ولكن بشرط أن توصله إلى منزلي، فحينئذٍ اشترطت منفعة لمصلحتك، فكأن المصنف حينما ذكر: (كأن يشترط حملان البعير)، فالمنفعة للبائع وليست للمشتري، يبيعك بعيراً ويقول: هذا البعير قيمته مائة؛ ولكن أشترط عليك أن أركب عليه إلى منزلي ثم تأخذه.

كما فعل جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد اشترط أن يركب البعير إلى المدينة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وأقرّه.

إذاً: هذا الشرط الذي اشترطه هو من البائع والمنفعة للبائع، فالمصنف رحمه الله من دقته ذكر لك مثالاً على المنافع التي يشترطها البائع، ثم أتبع بتكسير الحطب كمثال على المنافع التي يشترطها المشتري؛ لأن تكسير الحطب من مصلحة المشتري، فتقول: أشتري منك هذا الحطب وأشترط أن تكسره لي، ومن أمثلة ذلك في عصرنا: كأن تقول للجزّار: بكم هذا الكيلو من اللحم؟ يقول: بعشرين، تقول: أشتري منك الكيلو على أن تكسره أو تفصل اللحم عن العظم، فحينئذٍ اشترطت منفعة لمصلحتك أنت المشتري.

وفي حكم هذا -في زماننا- ما لو اشترى البضاعة من المحل واشترط توصيلها إلى منزله.

لكن هنا أمر لابد من التنبيه عليه وهو: أنّه إذا اشترط المشتري على البائع منفعة زائدة في البيع فينبغي أن يبين حدود هذه المنفعة، فإذا قال له: أشترط أن توصله إلى منزلي، فلابد أن يحدد مكان منزله؛ وذلك لأنها منفعة لها قيمة وثمن، وعلى هذا فلابد وأن تكون معلومة، فيحدد أين منزله، فإن كان باستطاعة البائع أن يوصله قال: رضيت.

وإن لم يكن باستطاعته قال: لا أرضى.

ويتفقان أو يتراضيان على حسب ما يكون بينهما بالمعروف.

قال رحمه الله: [أو خياطة الثوب أو تفصيله].

القماش الخام هو الذي يوجد في طاقة القماش ولم يفصل بعد، فعندما يشتري الإنسان هذا النوع من القماش فله أحوال: تارةً يشتري القماش خاماً ولا يطلب تفصيله ولا خياطته، فيشتري -مثلاً- طاقة من القماش، فيقول للبائع: بكم هذه الطاقة؟ يقول: بمائة، قال: اشتريت، حينئذٍ لا إشكال.

لكن هناك صورة أخرى وهي أن يقول له: بكم هذا القماش؟ يقول له: هذا القماش متره بستة ريالات مثلاً، يقول: كم يكفيني من الأمتار؟ قال: ثلاثة أمتار، قال: إذاً أشتري منك ثلاثة أمتار، وبكم تفصلها؟ قال: بعشرين، حينئذٍ يقول: أشتري منك الثلاثة الأمتار، على أن تفصلها لي ثوباً بعشرين، فهذه الصورة التي يَفْصِلُ فيها قيمة الخام من القماش عن قيمة التفصيل فهذه لا إشكال فيها؛ لأن المشتري اشترى ما هو مباح بيعه وهو القماش وحدد المبيع وثمنه، وليس هناك أي إشكال في جواز هذا النوع من البيع، فوقع البيع على ثلاثة أمتار من هذا القماش، فإذا كان المتر بستة ريالات فمعنى ذلك أنه اشترى بثمانية عشر، ثم تعاقد معه إجارةً على التفصيل وذلك بعشرين، فيكون مجموع القيمة ثمانية وثلاثين ريالاً، إذاً: هذان عقدان منفصلان، البيع على حدة والإجارة على حدة.

الحالة الثانية: أن يقول له: بكم هذا الثوب؟ والثوب قد فصل وهو جاهز -كما يوجد الآن عند بعض الخياطين، حيث يُجهَّز الثوب ويكون على المقاس الذي يريده المشتري- بمائة، قال: اشتريت، ولكن بشرط أن تكويه لي، أو يشترط أن يغسله، فيقوم الخيّاط بغسل الثوب وكيّه وإعطائه للمشتري وهذه كلها منافع تختلف أذواق الناس ومقاصد الناس فيها، حتى لو قال له: أشترط أن تضعه لي في ورق، هذا كله من شروط المنافع التي يقصد بها حفظ المبيع أو وجود المنفعة الناشئة عن المبيع، وهذا النوع من الشروط لا بأس به، لكن لو قال له: أشترط عليك أن تخيط الثوب وأن تغسله وتكويه فحينئذٍ أدخل أكثر من شرط في عقد البيع، وهذا سيأتي إن شاء الله في مسألة الشرطين في البيع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>