الاختصار للعلماء فيه أقوال: قال بعض العلماء: التخصُّر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هو وضع اليدين على الخاصرة، وهذا الوضع للعلماء فيه ثلاثة أوجه في التعليل: الوجه الأول: أنه من فعل الشيطان، فنُهِي عنه حتى لا يُشابه الشيطان.
والوجه الثاني: أنه فِعل اليهود، فنُهِي عنه حتى لا يشابه اليهود.
والوجه الثالث: أنه صنيع المتكبرين، والمقام مقام أهل الذلة والخضوع، وهم الخاشعون، فلا يليق أن يقف بهذا الموقف بين يدي الله عز وجل.
وهذه الثلاثة الأوجه صحيحة؛ فإنه لما نهى عنه الشرع دلّ على أنه من الشيطان، ولذلك ينسب المنهي عنه إلى كونه من فعل الشيطان.
أما كونه من فعل اليهود فقد جاء عنهم أنهم يفعلون ذلك في صلاتهم.
وأما كونه من صنيع المتكبرين فإن أهل التكبر إذا أعجبتهم أنفسهم تخصَّروا، فوضع الواحد منهم يديه في خاصرته كالمستعظم لنفسه والمتعالي، والمقام مقام ذلة بين يدي الله عز وجل، فلذلك قالوا: لا يناسب الحال -أعني الخشوع بين يدي الله- أن يتخصَّر، فنهي عنه.
وقال بعض العلماء: المراد بالتخصر: الاختصار، وهو اختصار الآيات، كأن يقرأ من بعض السور آية أو آيتين ثم ينتقل إلى سورةٍ أخرى، ويقرأ منها آيةً أو آيتين.
وقال بعض العلماء: الاختصار الذي نهي عنه: السرعة والاختلاس في الصلاة، بمعنى أنه يختصر الصلاة، فبدل أن تكون على قدر من الزمان تكون على ما هو أقل منه، والمراد بذلك الاستعجال حتى إنه لا يُعطِي الأركان حظها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه يُفوِّت الطمأنينة.
فهذه أقوال العلماء رحمة الله عليهم في مسألة الاختصار، وجميع ما ذكرنا منهيٌ عنه إلا مسألة انتقاء الآيات من القرآن، فالصحيح أنك لو أخذت آيةً من البقرة وقرأتها في الركعة الأولى، ثم أخذت آيةً من آل عمران وقرأتها في الركعة الثانية فلا حرج؛ فإن الاختصار بهذا المعنى ثبتت فيه السنة، كما في حديث ركعتي الفجر، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى منها بقوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}[البقرة:١٣٦]، وفي الركعة الثانية بقوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران:٦٤]، فدل هذا على جواز اقتطاع آيات من القرآن في الركعات، وأنه لا حرج فيه.