يلزمه في هدي التمتع، وإذا كان الهدي على الإنسان لازماً أن يكون لمساكين الحرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى شرف أهل مكة وسكان الحرم بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وجعله حرماً تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من الله عز وجل، فخص به أهل الحرم؛ ولذلك قال:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة:٩٥] وجعل في شرع الله عز وجل مما يتقرب إليه، وهذه سنة أضاعها الناس إلا من رحم الله، وهي: سنة الإهداء للبيت، أن يهدي الإنسان إلى البيت الإبل أو البقر أو الغنم، فكان الناس إلى عهد قريب يهدون إلى البيت، فالإهداء إلى البيت أن تنحر بمكة وتكون طعمة للمساكين، وهذه هي التي عظم الله أمرها:{لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ}[المائدة:٢] فجعلها مما لها حرمة، وهذا كله تشريف من الله عز وجل لأهل الحرم، فالمساكين -مساكين الحرم وفقراء الحرم- أحق بهذا الهدي، ولا يصرف إلى غيرهم إلا بعد سد حاجتهم، حتى على القول بجواز أن يطعم بها في الآفاق فإنه لا يجوز إخراجها من الحرم إلا بعد أن تُسد حاجة فقراء الحرم؛ وذلك لأن الله عز وجل أطعمهم بهذه الطعمة من فوق سبع سماوات فهم أحق وأولى، وإلا ما فائدة أن يبعث بالهدي إلى مكة، وقد كانوا في القديم يذبحونه بمكة ويكون فيه سد لعوز الفقراء والضعفاء والمساكين بالحرم، ولا يعقل أن يترك الفقراء والضعفاء بالحرم ويصرف لغيرهم، ولذلك ينبغي أن يكون طعمة للمساكين والفقراء وهم أولى بها؛ لأن الله عز وجل خصهم بهذا.
فيكون في حدود الحرم، وقال بعض العلماء: يجوز أن يخرج عن حدود الحرم كأن يأخذ -مثلاً- كتف الشاة ويشرقها ناوياً أن يعطيها لمسكين من جيرانه، قالوا: لا حرج أن يشرقها ويعطيها لمسكين من جيرانه، أو أناس ضعفاء يعرفهم خارج حدود الحرم، قالوا: لا حرج عليه في ذلك.
وقوله:[وكل هدي أو إطعام فلمساكين الحرم وفدية الأذى واللبس ونحوهما].
قد ذكرنا هذه المسألة: الإطعام الذي يكون في مكة كإطعام الفدية يكون بمكة وغيرها، وأما بالنسبة لجزاء الصيد فإن عِدله -وهو الإطعام- للعلماء فيه وجهان: منهم من خصه بالحرم وهو أوجَه؛ لأنه بدل عن المثلي الذي يكون هدياً بالغ الكعبة، فيكون البدل آخذاً حكم مبدله، فلابد وأن يكون لفقراء الحرم كما ذكرنا.