[أحكام الخلع المعلق]
قال رحمه الله تعالى: [فصلٌ: وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتِني ألفاً فأنت طالق؛ طلُقت بعطيته وإن تراخى] في الحقيقة قبل أن ندخل في التفصيلات -وستأتينا أكثر في الطلاق، وستأتي الجُمل المعلَّقة وألفاظ التعليق وألفاظ الشرط-.
قد يَمَل طالب العلم أحياناً، لكن ثقوا يا إخوان أنه حينما تأتي مشاكل الناس وأسئلتهم ستبحث في هذه المسائل بدقة، وتحتاج إلى دراستها بدقة أكثر، وكنا نقرؤها على مشايخنا رحمةُ الله عليهم، قد يحدث شيء من الطول والتعب، لكن لن تجد قيمة هذه المسائل وحلاوتها إلا بأسئلة الناس.
فسيأتيك الشخص الذي يتلفظ بهذه الألفاظ فلا تحس أنك في شيءٍ غريب، خاصة إذا كنت طالب علم تدرس مادة علمية ستُسْأل عنها، فالسائل لا مذهب له، ولا يأتيك بكتاب معين ولا بسؤال محدود، بل يأتيك بما وقع له وبما قال.
فهنا بعد أن فرغ رحمه الله من الخُلع المنجَّز؛ شَرَع في الخلع المعلَّق، والخُلع المعلَّق: أن يأتي بشرط، فيقول: إن فعلت، أو إذا، أو متى، فيكون مُعلَّقاً على شيء، فنحتاج إلى دراسة المعلَّق كما درسنا المنجَّز.
وهناك ألفاظ يقع بها الخلع بصيغة الشرط، فيحتاج طالب العلم أن يعرف ما هو الحكم لو قال لها هذا القول.
وأول مشكلة في الخلع المعلَّق من حيث اللفظ، فما هي الألفاظ التي يكون بها التعليق؟ وثانياً: أنه قد يُعَلِّق ويفعل، أو يقع الشيء الذي اشتُرِط بعد فترة فهل يُشْتَرَط في المعلَّق أن يكون مُنَجَّزَاً أو يمكن أن يقع على التراخي؟ فلو قال لها: متى أعطيتيني ألفاً أو متى فعلت كذا وكذا -من الشرط المطلق الذي لا قيد فيه- وبعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات أو سبع سنوات جاءت بهذا الشيء الذي علَّق الخلع عليه، فهل التعليق مقيد أو مطلق؟ كذلك أيضاً لو أنه قال: متى، أو إذا، أو إن، ثم طلَّق المرأة ولم تفعل شيئاً مما اشترط، وبعد أن طلقها وبانَت منه فعلت الشيء الذي قاله وعلَّق الخلع عليه؛ ثم تزوجها بعد ذلك، فهل يقع الخلع أو لا؟ ولو أنه قال لها ذلك، ثم طلَّقها، ولم تفعله أثناء البينونة، ولكن خرجت من عدتها، ونكَحَها بعقدٍ جديد، ثم فعلته في العقد الثاني! فكلها مسائل تحتاج إلى بحث.
وحتى في الطلاق أيضاً ربما يقول لها -على القول بالتعليق في الطلاق-: إن دخلتِ الدار فأنت طالق.
فما دخلت اليوم، وإنما دخَلَت بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات إن زُرْتِ فلانة فأنت طالق، وزَارَتها بعد سنة أو سنتين.
أو أنه قال لها: إن زرت فلانةً فأنتِ طالق، ثم طلقها غير الطلاق الذي عَلَّق عليه، ثم لما طلَّقها وبانَت منه زَارَت هذه المرأة، ثم رجعت له بعقدٍ بعد ذلك؛ فهل يَبْقَى التعليق كما هو أم أن فعلها للمُعَلَّق أثناء خروجها عن عِصمته يُؤَثِّر ويُسقِط ذلك المعلَّق بفعله ولو مرة؟ ثم بعد ذلك لما رجعت له بالعقد الجديد ذهَبَت وزارَتها؛ فهل يقع الطلاق ويبقى التعليق الأول كما هو أم ماذا؟ هذه أمور لا بد من بحثها، ولذلك نقول: قراءة الفقه منفصلاً عن ثمرته وحال الناس في سؤالهم، لا يستطيع طالب العلم أن يتَّصل بمسائله بالشكل المطلوب، فقد يَمَل طالب العلم: متى وإذا وإن، فيدخل في تفصيلات الشروط وألفاظ الشروط ويَمَل، لكن أقولها لما وقع لنا: في البداية قد تجد مللاً، لكن سيأتي اليوم الذي تجد من يقول هذا القول لامرأته، ويسألك عن حكمه.
أو تجد مسألةً مُفَرَّعةً على هذا الأصل، وهل النكاح يهدم أو لا يهدم؟ وكلها مسائل ذكرها العلماء واعتنوا بها.
وإنما أراد المصنف رحمه الله بذكرها هنا اكتمال مادة الخلع.