[المظهر الثالث: سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم]
قال المصنف رحمه الله: [أو سب الله أو رسوله] السب: الانتقاص والاستخفاف، وقد تكلم العلماء في ضابط السب، وأشار إليه القاضي عياض رحمه الله في الشفا عند حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء، وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول؛ لكن من أجمع ما ذكروه أن السب هو الانتقاص والاستخفاف، فمن انتقص إنساناً، أو استخف به؛ فقد سبه، وهذا هو ضابط السب، الذي به يحكم أن الكلام يعتبر سباً أو لا يعتبر.
وسب الله عز وجل جريمة وجرأة عظيمة على حدود الله عز وجل، وما أحلم الله سبحانه وتعالى، وعزة ربي لو أذن الله للأرض أن تفتك بهذا الكافر الفاجر الظالم الذي يسب ربه ما أبقت منه شيئاً، لخسفت به ولتزلزل فيها، ولو أذن سبحانه للسماء لأرسلت عليه قاصفة، فأخذت عمره، وأخرست لسانه، ولكن الله حليم، ولذلك على المؤمن إذا سبه أو آذاه أو انتقصه الناس، أن يتعزى بصفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين، الذين نالهم من ذلك الشيء الكثير.
فموسى عليه السلام اشتكى إلى ربه حين تكلم الناس فيه، فقال الله: يا موسى! إني أنا ربهم، أطعمهم وأرزقهم، ثم يدعون أن لي صاحبة وأن لي ولداً.
فهذا عزاء لكل مسلم، أن يتعزى إذا جاءه البلاء، ومن حلم الله ورحمته أن يوفق للتوبة من فعل هذا الأمر.
والسب لله موجب للكفر والردة، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله.
قوله: [أو رسوله] من سب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحكم بكفره، وحكى الإجماع غير واحد من الأئمة والمحققين منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله القاضي عياض، وغيرهم رحمة الله عليهم، فأجمعوا على أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم كافر ومرتد، وانتقاص النبي صلى الله عليه وسلم وسبه ولعنه -بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه- موجب للكفر؛ لأن هذا مضاد تماماً لأمر الله سبحانه وتعالى.
قالوا: لأنه يتعلق بالدين، وسبه وانتقاصه عليه الصلاة والسلام انتقاص للدين، ولذلك فالعلماء رحمهم الله يدققون في هذه المسائل، وتجد أن الكلام في الأنبياء وفي رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم محرم، وحرمتهم مبنية على حرمة الشرع؛ لأنهم رسل الله، وصفوة الله من خلقه.
ومن هنا ننزل الكلام في العلماء والأئمة أنه طعن في الدين، كما يفعل بعض الفساق إذا قيل لهم: إن العلماء يفتون بكذا وكذا؛ فإنه يسبهم أو يشتمهم -والعياذ بالله- وهذا أمر خطير جداً؛ لأن هؤلاء العلماء تكلموا بالشرع، ونطقوا ونصحوا به، فالكلام فيهم يعتبر كلاماً في الشرع وانتقاصاً فيه، ومن هنا قال العلماء: لو أن الخصم -وسيأتينيا إن شاء الله- سب القاضي في مجلس القضاء فإنه يؤدب ولو سامحه القاضي؛ لأن هناك حقاً للشرع، فإذا القاضي تسامح بحقه فقد بقي حق الله عز وجل في حرمة مجلس القضاء، ولأن انتقاص القضاة انتقاص للدين وحكمه، وكذلك انتقاص العلماء كما قال صاحب التحفة: ومن جفا القاضي فالتأديبُ أو لا وذا لشاهدٍ مطلوب إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم سباً مباشراً باللعن -والعياذ بالله- أو انتقصه، كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً ينتقصه به، كأن يقول: إنه بدوي يرعى الغنم، وقصد به التحقير له صلوات الله وسلامه عليه، ونحو ذلك من العبارات؛ فإنه يحكم بكفره، وقد ألف في هذه المسألة وفصل فيها العلماء رحمهم الله، ويعتبر كتاب شيخ الإسلام رحمه الله (الصارم المسلول على شاتم الرسول) صلى الله عليه وسلم من أنفس هذه الكتب، حيث فصل فيها.
ومما يحكى أن شيخ الإسلام رحمه الله كان في مجلس، فسب نصرانيٌ النبي صلى الله عليه وسلم فجرد سيفه وقتله، وبعض العلماء رحمهم الله بينوا هذه المسألة وممن بينها من المتقدمين القاضي عياض في الشفا، وغيره من فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية، وحكى غير واحد الإجماع على ردة من سب النبي صلى الله عليه وسلم.
[فقد كفر] جاء بـ (قد) التي تدل على التحقيق، وقوله: (كفر) أي: يحكم بكفره.