في قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:٢٥] هل المقصود في هذه الآية الشرك أم الكبائر أم سائر المعاصي، أثابكم الله؟
الجواب
أولاً: هذه الآية من أعظم الآيات التي رجفت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات في تعظيم الحدود والحرمات، فقد بين الله تعالى في هذه الآية حرمة البلد الحرام، ونبه عباده إلى أن مكة شرفها الله لها حقوق عظيمة تستلزم من المؤمن والمؤمنة إذا دخل هذا الموضع الحرام أن يستشعر حرمته.
فمما خص الله به البلد الحرام: قوله (ومن يرد) والإرادة توجه القصد؛ لأن هناك هماً للشيء وعزيمة هو إرادة وتوجه إلى ذلك الشيء، وقوله:(فِيهِ) هذه للظرفية، والمراد بها ظرفية المكان أي: بحدود الحرم، (بإلحاد بظلم): والإلحاد من اللحد، واللحد: الميل، والمراد بالإلحاد: الميل عن طاعة الله، والميل عن طاعة الله نسبي، فهناك ميل بالمعصية، وهناك ميل بالفسوق، وهناك ميل بالشرك والكفر، فهذه ثلاث مراتب للإلحاد، وأقصى ما يكون هو الإلحاد بالشرك والكفر ويقع الإلحاد بالميل عن طاعة الله عز وجل بأقل ما يكون به الإلحاد بالظلم.
وقوله تعالى:{بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:٢٥] يتوعد سبحانه وتعالى أن من فجر في الحرم والعياذ بالله وألحد أنه يذقه من العذاب الأليم، قال بعض العلماء: إن هذه العقوبة تقع في الدنيا وتقع في الآخرة، ويجمع الله فيها بين عقوبة الدنيا والآخرة، أي: فإما إن يعذب في الدنيا ويغفر الله له في الآخرة، وإما أن يجعل الله له العذاب الأليم في الآخرة دون الدنيا، فيمهله ويتركه حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويجعل عقوبته والعياذ بالله في الآخرة، أو يجمع الله له بين العذابين والعقوبتين، وهذا معروف.
فأما عقوبة الدنيا فيسلط عليه في رزقه ونفسه والعياذ بالله، ويسلط الله عليه في أهله وولده وعرضه، فإذا ألحد وظلم فالله عز وجل قد يبتليه ببلية في نفسيته، فتتسلط عليه الأمراض النفسية والهم والغم والنكد، ولذلك تجد الرجل وهو في جوار بيت الله الحرام يقول: أنا في هم وغم! وقد يكون ذلك بسبب انتهاكه لحد من حدود الله وحرمة من حرمات الله في بلد الله الحرام، ولذلك كان أمر هذا البيت عظيماً، فينبغي على المسلم أن يتقي الحرمات.
وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنه من الأسباب التي أخرجته في آخر عمره أنه خرج عن حرمة الحرم، وإن كان الذي يظهر أنه خرج لسبب آخر، فالشاهد أن حرمة البيت عظيمة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا انتهى الناس من الحج يصيح فيهم ويقول:(يا أهل الشام! شامكم، ويا أهل اليمن! يمنكم، ولما سئل عن ذلك قال: أخشى أن تذهب حرمة البيت من قلوبهم) ولذلك تجد من قدم إلى هذا البيت من الغرباء ممن ليس من أهل مكة من شتى بقاع الأرض، إذا قدم إليه يقدمه وهو معظم لحرمات البيت، ويحس بعظمته، ولكن قليلاً قليلاً حتى يألف البيت، ولربما تصبح عنده مكة شرفها الله وغيرها على حد سواء.
فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك، وأن يتقي الله عز وجل وهو في جوار الحرم، وأن يستشعر عظيم نعمة الله عليه وجميله، وجليل فضله لديه، وأن يعطي هذا البيت حقه، وقالوا: إنه قل أن يعظم أحد هذا البيت إلا بارك الله له في رزقه، وبارك له في عمره، وبارك له في أهله وولده، وقل أن تجد عبداً صالحاً يجاور هذا البيت وهذا الحرم، وهو يحفظ حرمات الحرم إلا وجدته في خير في أهله وولده وماله ورزقه، مطمئن القلب، مرتاح البال، وكل ذلك من تعظيم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإن ذلك خير له في دينه ودنياه وآخرته.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا وأن يسلم منا، وأن يتوب علينا وأن يتجاوز عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.