إذا لم تعرف جناية كل جان لوحدها، كالجناية الجماعية، فكيف يُقتص؟
الجواب
إذا لم تعرف الجناية، ففي هذه الحالة إما أن يموت المجني عليه، وإما أن يكون حياً يقبل قوله، فإذا مات فالأمر إلى ورثته، ولهم أن يَدَّعوا فيقولون: فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، فإذا ادعوا على كل واحد جناية جرى في ذلك سنن القضاء وصارت دعوى، فيُحضر كل واحد من هؤلاء الجناة، ويسأل عن دعوى الجناية، فإذا أقرَّ أُخذ بإقراره، وإذا لم يقرَّ فحينئذ يُطالب الورثة بالبينة والدليل، وعليه يمين إذا أنكر، ولو أن واحداً منهم قال: أنا أمسكته، والثاني هو الذي ذبح، وهو الذي بقر بطنه وأشعل النار فيه، فحينئذ في هذه الحالة يؤتى بالثاني، فإن أقر أنه هو الذي قتل، وأنه هو الذي فعل؛ فإن الأول ممسك والثاني قاتل، فالممسك يحبس إلى الموت؛ لأنه أمسك شخصاً لشخص يعلم أنه سيقتله، وكان بإمكان الشخص أن يفر لولا هذا الإمساك، فيحبس كما حبس هذه النفس المحرمة حتى يموت، ولا نستطيع أن نقتص منه؛ لأنه لم يكن الزهوق بفعله، ويقتص من الذي باشر، فالإمساك سببٌ، والبقر والبطن وإشعال النار مباشرةٌ، فحينئذ تجتمع السببية مع المباشرة، وقد تقدم معنا التفصيل في هذا.
ثم الأعضاء على نفس التفصيل، فإذا ادعوا على أن كل واحد فعل فعلاً، فقالوا: هذا قطع يده، والثاني قطع رجله، فنأتي بهؤلاء الذين ادعي عليهم، فإن أقروا فحينئذ يقتص من كل واحد بمثل جنايته، وأما إذا وجدوا مجتمعين، فظاهر الحال أنهم اشتركوا، وحينئذ كل منهم يحتمل أنه جانٍ، مادام أنهم كلهم في مكان الجريمة، وأُخذوا على ذلك، وأقروا، ولا تستطاع استبانة الفعل، والفعل مشترك بينهم، فحينئذ يُقتص منهم جميعاً، فلو أنهم كلهم قطعوا رجله، فأحدهم وضع السكين وحز بها، وقطعوا العضو، فالقطع حاصل بفعل من؟ فتقطع رجل كل واحد منهم.
وكذلك لو أرادوا أن يلقوا صخرة على شخص، فاحتاجوا الى تشغيل جهاز، فاتفقوا على تهيئته ووضعه، وكلهم جاء وشغله، فنزلت الصخرة على يده فقطعتها، أو كانوا يريدون قتله، فشرد الرجل فسقط على يده فقطعها، فحينئذ نقطع أيديهم كلهم.
فالجماعة إذا فعلوا فعلاً بحيث لو انفرد كل واحد منهم لحصل الزهوق بفعله، ولحصل القطع أيضاً للعضو بفعله، فإنه يُقتص منهم.
أما لو فُصل فعل كل واحد منهم فإننا نفعل بكل واحد مثل ما فعل، فلو أن أحدهم قطع يده، والثاني قطع رجله، والثالث قطع أذنه، قطعنا رجل من قطع الرجل، ويد من قطع اليد، وأذن من قطع الأذن؛ لأن كتاب الله القصاص، ولا يُجنى على الجميع بجناية إلا بمثل، ولا يؤخذ من الجميع شيء إلا مثل ما فعل بالمجني عليه، فهذا بالنسبة لاشتراك الجماعة في فعلهم بالمجني عليه، والله تعالى أعلم.