قال رحمه الله:[ولا أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع، أو استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها؛ كنسب وموت وملك مطلق ونكاح ووقف ونحوها].
قوله:(ولا أن يشهد إلا بما يعلمه) هذا شروع في شيء يسميه العلماء: مستند الشهادة، ومستند الشاهد، بمعنى: شهادة الشاهد هذه من أين أخذها، وعلى أي شيء بنى؟ وذلك يكون إما بالرؤية، أو بالسماع، أي: أن يسمع بأذنه، أو استفاضة، والاستفاضة: أن ينتشر بين الناس هذا الأمر؛ كالموت والوقف والنسب، فيما تقبل فيه شهادة السماع، وهي شهادة الاستفاضة، فإذا كان الشاهد يريد أن يشهد فلابد أن يشهد بأحد أمرين: إما بشيء رآه، وإما بشيء سمعه، والدليل على ذلك قوله تعالى:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}[يوسف:٨١]، فالشاهد لا يجوز له أن يشهد إلا بشيء يعلمه ويحققه.
هذا بالنسبة للحقوق والحدود، فلا يقبل فيها إلا العلم، وإذا لم يكن يعلم فلا تقبل شهادته إلا في مسألة الشهادة على الشهادة، ففيها تفصيل للعلماء رحمهم الله وستأتي.
أما بالنسبة للاستفاضة كما ذكرنا في النسب ونحوه، فمثلاً: يشهد أن آل فلان من الأشراف، ومن ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، فحينئذٍ يجوز إثبات النسب بالاستفاضة، كأن يعرف أن بيت فلان من الأشراف، وانتشر في المدينة، أو انتشر في قريته، أو في جماعته: أن هذه الأسرة أو أن هذا الاسم من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى: شهادة السماع، فيثبت بها النسب، وقد أجمع العلماء على قبول شهادة السماع في النسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنتم شهداء الله في الأرض)، ولذلك إذا قبلت الشهادة بالسماع بالخير في تزكيته عند ربه، فأن تقبل في أمور الناس من باب أولى وأحرى.
وعلى كل حال: إذا اشتهر واستفاض عند الناس أن هذا وقف بني فلان، أو أن هذا نسب من القبيلة الفلانية يرجعون إلى بني فلان، أو يرجعون إلى آل فلان، فهذا يسمى: شهادة الاستفاضة، وحينئذٍ يجوز للشهود أن يقولوا: نشهد أن فلاناً من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلاناً شريف، أو أن فلاناً من بني فلان، وهم من قبيلة كذا، بناء على شهادة السماع والاستفاضة.