قال رحمه الله:[فإذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فله رجعتها].
أي: لأن العدة ثلاثة أطهار، فإذا طهرت في الحيضة الثالثة فبعض العلماء يقول: لا بد أن تغتسل، حتى يحكم بانتهاء عدتها.
وبعض أهل العلم يقول: إن مجرد طهرها يوجب انتهاء عدتها وإن لم تغتسل.
فمنهم: من اشترط الاغتسال، ومنهم: من قال بعدم اشتراطه، وفائدة الخلاف: أولاً: عندنا امرأة طلقها زوجها الطلقة الأولى فاعتدت، فلما كانت في الحيضة الأخيرة قبل غروب الشمس بنصف ساعة رأت علامة الطهر، لكنها أخرت الغسل من الحيض إلى ما بعد غروب الشمس، فإذا قلت: المرأة تخرج من عدتها بمجرد انقطاع الدم ورؤية علامة الطهر، فإنها تكون قد حلّت للأزواج قبل غروب الشمس بنصف ساعة، فلو نكحت وعقد عليها بعد ذلك مباشرة صح العقد، وصارت أجنبية من الأول وزوجة للثاني؛ لأنه قد حصل تمام العدة وخرجت منها وأصبحت أجنبية على هذا القول، ولو أنه حصلت الوفاة من زوجها بعد طهرها مباشرة ورؤيتها للدم وقبل أن تغتسل، فحينئذٍ تكون قد خرجت من عدتها فلا ترثه ولا يرثها، وهي أجنبية وهو أجنبي.
فحكم بخروجها من العدة وانتهاء الرجعة بمجرد رؤية الطهر.
وعلى هذا: لا يشترط الغسل عند أصحاب هذا القول، كما اختاره جمع من العلماء رحمهم الله.
ومن أهل العلم من قال: إنها إذا طهرت من حيضتها ورأت علامة الطهر من حيضتها الأخيرة ولم تغتسل، فلا تزال في العدة حتى تغتسل، ولو أخرّت الغسل سنوات فإنها لا تزال في عدتها من زوجها الأول.
وبناءً على هذا القول: لا تزال رجعية، فلو وقع مراجعة من زوجها الأول قبل أن تغتسل حلّت له، ولو توفي ورثته، ولو توفيت ورثها، وهذا القول مأثور عن أبي بكر وعمر وعلي، وطائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـ معاذ وأبي هريرة رضي الله عن الجميع، فهم يقولون: إنها لا تخرج من العدة إلا بالاغتسال، ورأوا أن طهارتها تابعة لدمها.
والأول أقوى من حيث الأصول، والثاني أشبه بالقوة على مذهب من يرى أن قول الصحابي حجة؛ ولكن الأول أقوى من حيث الأصول، فإن مجرد طهرها يدل على خروجها من عدتها؛ لأن الله يقول:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة:٢٢٨] وقد طهرت حقيقة فيحكم بطهرها؛ لأن الشرع علق على الطهر وقد حصلت هذه الصفة، فلا داعي لاشتراط الغسل إلا للعبادات التي تشترط لها الطهارة، أما هذا فهو خارج عن العبادة، فالرجعة ليس لها علاقة بالعبادة، فهي ليست مصلية، ولا طائفة بالبيت، ولا داخلة للمسجد، ولا تالية للقرآن حتى نشترط طهارتها.
الطهارة والغسل يشترط فيها شيء نص الشرع على اشتراطه، وأما ما رتب الشرع وقوع الرجعة عليه، فحده ما لم تطهر، وقد طهرت، فتكون قد خرجت من عدتها بذلك الطهر.