من دقة المصنف وتحرِّيه وفقهه جعل الاعتدال من السجود والجلوس بين السجدتين ركنين، وليس ركناً واحداً؛ لأن هناك فرقاً بين الجلوس بين السجدتين والاعتدال من السجود؛ لأن الاعتدال يقع بالجلوس ويقع أيضاً بعد الجلوس، كما لو سجد السجدة الثانية، فمن دقة المصنف أن قال:(الاعتدال عنه)، حتى يشمل ما بعد السجدة الثانية.
ويكون والجلوس بين السجدتين ركن منفصل؛ لأنه يختص بما بين السجدتين، فلو قال:[الاعتدال عنه] وسكت، فإنه لا يتضمن ذلك الجلسة بين السجدتين، ولو قال:[الجلوس بين السجدتين] وسكت، فإن هذا لا يشمل الرفع بعد السجدة الثانية، ومن هنا كان من فقهه رحمة الله عليه أن جعلهما ركنين، وهذا هو الصحيح، ولذلك تعقُّب بعض الشراح على المصنف رحمه الله ليس في محله، بل من دقته أن هذا ركن وهذا ركن؛ لأنك لو قلت:(الجلسة بين السجدتين) فحسب لم تنبه على ركن الرفع من السجدة الثانية، فإن الرفع من السجدة الثانية ليس فيه جلوس بين السجدتين كما هو معلوم، ولو قلت:(الرفع من السجود) فحسب فإن الرفع من السجود مطلق لا يستلزم جلوسك بين السجدتين؛ لأن من رفع ولم يجلس صدُق عليه أنه قد حصل الركن.
والجلوس بين السجدتين يتحقق بحصول الجلسة، والجلسة بين السجدتين تكون بالافتراش بأن يرفع الإنسان رأسه حتى يستوي جالساً وتحصل له طمأنينة الجالس، لكن لو أنه رفع من السجود وقبل أن يستوي جالساً كبّر للسجدة الثانية فإنه لا يجزيه، ولم يتحقق ركن الجلوس بين السجدتين، فيلزمه أن يرجع مرة ثانية ويستقر جالساً؛ لأنه قال:[والجلوس بين السجدتين] وهذا لم يجلس.
ويتحقق الجلوس بالتصاق الإلية بالعقب، أو إذا فرش رجله اليمنى للإليتين، فإذا حصل هذا فقد جلس، لكن لو أنه قبل أن يرجع وتصل الإلية إلى العقب قال: الله أكبر.
لم يصح ذلك ولم يُجزه، ويلزمه أن يعيد الجلوس بين السجدتين، وتُلغى السجدة الثانية التي سجدها، ويسجد لها سجود الزيادة.