[نصيحة في كيفية استغلال العطل والإجازات]
السؤال
كيف يستغل المسلم على وجه العموم، وطالب العلم على وجه الخصوص وقته في العطل والإجازات؟
الجواب
أفضل ما تستغل به العطل طاعة الله عز وجل، وبالاختصار يكون له ورد من طاعة الله عز وجل يتبع فيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
بمعنى أنه إذا جاءت العطلة فليحرص الإنسان على عدم ترك أذكار الصباح والمساء؛ لأنه ما عنده شغل، فيحرص على ذكر الله عز وجل في صباحه ومسائه بجميع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرص على صيام الإثنين والخميس، ويحرص على صيام الأيام البيض، والثلاثة الأيام من كل شهر.
يحرص بعد هذا على كثرة تلاوة القرآن، وعلى أداء الفرائض في أفضل أحواله، بمعنى أنه أيام الشغل تفوته الركعة والركعتان، ولربما تفوته الصلاة -نسأل الله السلامة والعافية- لكن عيب عليه في العطلة أن تفوته الصلاة، فمن الناس من لا يؤذن المؤذن إلا وهو في المسجد، ومنهم من يحرص على الصلوات الخمس في الصفوف الأول.
وقد يقال: ما فائدة الحرص على الطاعة أثناء الفراغ؟ ونقول: الفائدة أنك إذا فعلت الطاعة أثناء الفراغ ثم شغلت؛ كتب لك الأجر كاملاً؛ أي أنك إذا كنت أثناء العطلة، تري الله من نفسك قيام الليل وصيام النهار والحرص على الطاعات على أكمل وجوهها، فأنت تعلم أن الصف الأول أفضل، وأن تكبيرة الإحرام أفضل، وأن الخشوع عند قراءة القرآن أكمل وأعظم أجراً، والآن أنت في فراغ، فأثناء عملك ودراستك قد تقول: عندي شغل، وإن كان والله لا ينبغي أن يشغل عبد عن طاعة الله، ولا ينبغي أن يحجب المرء عن ذكر الله عز وجل، وألا تشغله الدنيا عن الآخرة لكن نقول لك: في أثناء فراغك إذا حرصت على هذه الأعمال الصالحة، ثم جاءك شغل عنها؛ كتب لك الأجر كاملاً.
ولذلك يجلس طالب العلم أو المشغول طيلة شغله وهو يتألم ويتأوه، حينما تفوته الركعة من الصلاة، بل يتأوه ويتألم إذا فاتته تكبيرة الإحرام، فإذا بالله يبلغه الأجر كاملاً.
ولو أن الشاب في عُطَلِه حرص على إتمام الطاعة، ثم لا قدر الله صار له حادث، فأصابه شلل؛ كتب له الأجر مدة عمره كله، من كان في صحته على طاعة واستقامة ثم مرض؛ كتب له الأجر كاملا، ً ومن كان في شبابه على استقامة وطاعة ومداومة على الخير، ثم هرم وكبر؛ كتب له الأجر كاملاً: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:٥ - ٦] قال بعض أئمة العلم: هو الرجل يشيب ويكبر وقد كان في شبابه حريصاً على طاعة الله، ومعنى (غَيْرُ مَمْنُونٍ): غير مقطوع، فيكتب له أجر شبابه كاملاً؛ لأن الله علم منه لما جاءته القوة والصحة أنه ما فرط، ما ذهب يعبث بها في الفساد، إنما ذهب يستغلها في طاعة الله ومحبة الله.
فالأصل العام أنه يجب أن يكون الإنسان كاملاً أو قريباً من الكمال في الاستقامة والطاعة والخير والذكر، والبر، ومحبة الله سبحانه وتعالى.
وأيضاً أن يحذر من إضاعة العطل في معاصي الله عز وجل، فكما أننا ننبه على هذا الجانب من الخير ننبه على ضده من الشر، كالسفر إلى الخارج، وأعظم من ذلك أخذ الأبناء والبنات وتعويدهم على السفر إلى بلاد فيها فساد، وتعويدهم على التكشف والعري، هذا أمره خطير وشأنه عظيم، ولذلك يحمل فيه الوالد المسئولية أمام الله عز وجل، فكل خائنة عين وكل زلة قدم، وكل طيش يكتب عليه وزر ذلك: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:١٣].
إذا ضيعوا حق الذرية في النصيحة.
فحرام على الرجل أن يجر ذريته إلى الهلاك، وأن يجر عرضه وأهله إلى الفساد والدمار، فعليه أن يتقي الله عز وجل، ولذلك لا تجد العواقب الحميدة لمن أضاع وقته وفراغه في غير مرضاة الله عز وجل، وليأتين يوم يبكي فيه على هذا، حتى إن بعضهم عود أبناءه السفر في العطلة إلى الخارج، فلما كبر وشاخ أصبحوا يتركونه في البيت وحده، ثم يسافرون ولا يبالون به: {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:٢٦] هذه ثمرة غرسه ونتاج فعله.
فإذاً: ينبغي على الإنسان أن يحرص على المحافظة على أوقات العطلة في طاعة الله عز وجل والبعد عن محارم الله عز وجل.
ومن الأمور التي يوصى بها عموماً أيضاً: أن يبارك هذه العطلة بالعمل الصالح، السفر لزيارة الوالدين، السفر إلى الأعمام والعمات والأخوال والخالات والقرابات، تجلس بينهم وتسلم عليهم، وتصل رحمك، تسأل عن أحوالهم، حتى إذا وجدت ابن عم لك مديوناً؛ تسدد دينه، أو محتاجاً تسد حاجته، أو ذا فاقه تعينه وتواسيه، ونحو ذلك من الأمور الطيبة الصالحة التي تعود عليك بالخير في دينك ودنياك وآخرتك.
كذلك أشغل العطلة بالسفر إلى العمرة، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة التي يستحب للإنسان أن يعمر وقته وعمره بها.
أما بالنسبة لطلاب العلم -باختصار- فليس هناك أفضل من مراجعة العلم ومذاكرته، يحاول طالب العلم أن يضع له جدولاً يراجع فيه هذا العلم، ويضبطه قدر المستطاع ليكون حافظاً للعلم.
الأمر الثاني: أن يحرص على أن يشوب هذا العلم بشيء من العبادة، فطالب العلم أثناء السنة قد يكون مضغوطاً، لكن إذا جاءت العطلة فيحرص على أن يختم القرآن كل ثلاث ليال، يقرأ القرآن ويجعل له ورداً في أول النهار، أو في آخر النهار أو في وسط النهار، ويجعل له ورداً في الليل، ولأنه لا يستطيع أن يقوم في السحر في غير العطل، فيعزم وينفذ ذلك في العطل، فيقوم السحر ويحاول أن يستكثر من الخير، وأن يعود نفسه على بكاء واستغفار الأسحار، وتلاوة القرآن في جوف الليل، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، فإذا وفق الله طالب العلم للعلم والعبادة بورك له في عطلته، ولا نستطيع أن نضع للناس منهجاً معيناً؛ لأن الناس تختلف، والقرآن والسنة فيهما الأمر بالقواعد العامة، ولم يفصل فيهما؛ لأن الناس تختلف أحوالهم وتختلف ظروفهم.
وعلى طالب العلم أن يبحث عن شيء يصل به إلى هدف ضبط العلم، وأن يستشعر أنه مؤتمن على دين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى علمه، فعليه أن يري الله من نفسه خيراً، فيراجع حفظ القرآن، ويحاول كل ثلاث ليال أن يختم، ويحاول أن يقرأ قراءة المتدبر المتأمل؛ لأنه خلال السنة لا يجد وقتاً لتدبر القرآن، فيقتطع وقتاً من يومه أو من أسبوعه لمراجعة القرآن، وإذا راجعه يراجعه ببكاء وحزن ورقة، ويقف مع القرآن، ويأخذ شيئاً من تفسير القرآن أثناء العطلة، ويضع له برنامجاً يقرأ فيه شيئاً من التفسير ليستفيد منه لنفسه، ويفيد به غيره، ويأخذ شيئاً من السنة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، المهم أن يعمر الوقت بما يتجانس مع العلم؛ لأن هذا يقويه في العلم.
وآخر شيء أوصي به طالب العلم: أن يبذل ما عنده، فإذا سافر إلى قريته وإلى جماعته واحتاجوا أن يعلمهم علمهم، إذا احتاجوا إلى نصيحة نصحهم، وإذا احتاجوا إلى توجيه وجههم، ويحرص على أن يكون على أكمل حال في هذا كله، نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا.
اللهم اجعل خير أعمارنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين، يا سميع الدعاء! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.