للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما لا يتبع الدور عند بيعها]

قال رحمه الله تعالى: [دون ما هو مودع فيها من كنزٍ وحجر] قوله رحمه الله تعالى: [دون] استثناء، أي: لا يشمل البيع ما كان مودعاً في المبيع، أي: محفوظاً فيه، فإذا كانت لك عمارة فيها غرفة لك أشبه بالمخزن، فما وضع في هذه الغرفة مما هو من حوائجك الخاصة والأشياء التي لمصالحك تريد أن ترتفق بها، فإنها ملك لك، إذا كنت البائع، وليس من حقه أن يقول: اشتريت العمارة كلها بما فيها.

فما أودع في المبيع، فليس بتابع للمبيع، وإنما يكون البيع على ظاهره، والمودع يكون ملكاً لصاحبه الذي أودعه دون المودع فيها.

والودع: أصله الترك، ومنه قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى:٣] أي ما تركك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات -يعني تركهم صلاة الجمعة- أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)، نسأل الله السلامة والعافية، فالودع الترك، وسميت الوديعة وديعة؛ لأن صاحبها يتركها عند من استودعه إياها.

و [مِنْ] في قوله: [دون ما هو مودع فيها من كنز وحجر] بيانية، كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة:١]، فـ (من) هنا بيانية.

وقوله: [دون ما هو مودع فيها من كنز]، أي: من أمثلة ما يودع فيها الكنز، كمثل رجل أخذ دنانير ذهب -وفي القديم كان الناس يخافون على أموالهم، وليس هناك أماكن يحفظون فيها الأموال- فربما وضع الذهب في صرة أو نحوها وحفر لها في الدار، ثم دفنها، كأنه يكتنزها لنفسه للحاجة، فهذا كنزٌ أو في حكم الكنز.

كذلك في زماننا اختلفت الصورة، فلو أن رجلاً عنده خزنة، وفي هذه الخزنة -مثلاً- مائة ألف، أو فيها حلي، أو فيها ذهب، أو فيها جواهر، فهو يضع في هذه الخزنة أموالاً، فباع العمارة ثم جاء إلى الخزانة يريد أن يفتحها، فقال له المشتري: لا، هذه العمارة بعتني إياها بما فيها، فالكنز لي.

فليس من حقه، فالبائع يقول: بعتك العمارة ولم أبعك كنوزها؛ لأن هذا الكنز ملك لي، فهذا معنى قوله: [من كنز]، أي: ما كان مكتنزاً في العمارة، محفوظاً ومودعا فيها، فإنه ملك لبائعها، ليس من حق المشتري أن يطالبه به.

قال رحمه الله تعالى: [ومنفصل منها كحبلٍ ودلوٍ]: أي: كحبل الدلو، فقد كانوا في القديم يحفرون الآبار في البيوت حتى يستقون منها ويرتفقون بها، فالحبل يحتاجه من أجل أن يستقي الماء، وربما كان الحبل موجوداً في المخزن، فالحبل إذا كان موجوداً في الدار، للاستسقاء بالدلو، فهذا لا يعتبر تابعاً للبيع، وإنما باعه البئر، والبئر تابعة للرقبة، وهذا الحبل ليس بمسمر ولا بمتصل، وهكذا الدلو الذي يغرف به لا يعتبر تابعاً للمبيع.

قال رحمه الله تعالى: [وبكرة]: وهكذا البكرة التي يجري عليها الحبل.

قال رحمه الله تعالى: [وقفل]: القفل: واحد الأقفال، وكانوا في القديم يضعون الأقفال على الأبواب، يقفلون بها، فالباب له قفل يضعه البائع على داره، ثم لما باع الدار جاء وأخذ أقفالها، فهل من حقه ذلك؟ نقول: نعم؛ لأن القفل ليس متصلاً بالمبيع، فمن حقه أن يأخذ الأقفال، لكن في زماننا هذا تستخدم الأقفال المتصلة، فإذا كانت الأقفال متصلة فليس من حقه أن يأخذها، لكن الأقفال المنفصلة، ونحوها الضباب التي تعلق تعتبر ملكاً للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وهكذا السلاسل التي توضع على الأبواب تسفل بها لتقفل، فإنها تعتبر تابعة للبيع، فالمشتري إذا اشترى يشتري القفل الذي يناسبه، وهو يملك المتصل دون المنفصل، وهذا هو ضابطها كما قال رحمه الله: [دون ما هو مودع فيها.

ومنفصل منها].

قال رحمه الله: [وفرش].

إذا باع عمارة أو غرفة فمن حقه أن يأخذ جميع الفرش الموجودة فيها، وحينئذ يقوم المشتري بفرشها من جديد، أو الاستغناء عن فرشها إذا كان يريدها لغير الجلوس، فالمهم أن الفراش يكون ملكاً للبائع، فإن الفراش ليس متصلاً بالرقبة، ولا يأخذ حكم المتصل، لكن في بعض الأحيان إذا كان الشيء المبيع مهيأً لكي ينتفع به المنتفع، كأن يبيعه شيئاً يقُصد به نفعٌ معين ولهذا المبيع تهيئة خاصة تتعلق به، مثل ما يوجد في المحلات الآن كما لو باعه -مثلاً- مطبخا، أو باعه على أنه مطبخ، فإن جميع ما يتعلق بهذا المطبخ من عُدَدِه وآلاته ووسائله إذا كان مهيأ مجهزاً بذلك يكون تابعاً للمبيع.

لكن إذا باعه العمارة السكنية، أو باعه الغرفة، فإن هذا كله لا يعتبر فيه الفراش تابعاً، ويعتبر منفصلا عن المبيع فمن حقه أن يخلع الفراش ويقوم المشتري بفرشها بما يشاء.

قال رحمه الله تعالى: [ومفتاح]: أي: والمفاتيح كذلك، وهذا في الأقفال، فإذا كان القفل ملكاً للبائع فمعنى ذلك أن المفتاح سيكون ملكاً للبائع، لكن الكوالين الموجودة الآن، تعطى بالمفاتيح للمشتري؛ لأنها متصلة بالمبيع، وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله كائنٌ في المبيعات القديمة، لكن نمثل بأشياء موجودة اليوم، فمثلاً: في زماننا لو باع سيارة،، وكانت رقبتها ليس فيها أشياء تخص المشتري فلا إشكال، فحينئذ يتبع السيارة ما هو فيها من آلاتها وعددها المعروفة بالعرف، لكن لو أنه -طالب أي البائع- بشيء موجود فيها بالعرف، كأن يكون باعه سيارة فأراد أن يستخرج مسجلها مثلاً، أو المكيف الموجود فيها، فهل من حقه ذلك؟

الجواب

ليس من حقه ذلك؛ لأنه متصلٌ بالمبيع ومسمرٌ في المبيع، ووقع البيع أثناء العقد على هذا الشيء بعينه، فإن أراد أن يستثني فعليه أن ينص على ذلك ويقول: دون مسجلها أو: أبيعك هذه السيارة وأشترط أن آخذ مسجلها، أو مكيفها، أو راديها، أو نحو ذلك من الأشياء الموجودة فيها مما هو متصل بها.

كذلك أيضاً لو باع داراً وقام على أجهزتها الكهربائية واستخرجها وخلعها، وقال: هذه الدار المسلمة هي التي بعتك إياها، أما بالنسبة لما فيها من الأدوات الكهربائية فأنا ما بعتك إياها، فهل من حقه أن يستخرج هذه الأجهزة الكهربائية أو لا؟ فيه تفصيل: فما كان منها متصلاً مثل المصابيح الكهربائية، فهذه تبقى، وليس من حقه أن يستخرجها، أما ما كان منفصلاً، كالثلاجات والغسالات، فهذه تعتبر منفصلة، وفي حكم المنفصل، فمن حقه أن يأخذها؛ لأن ليست تابعة للرقبة.

فلو باعه داراً فيها تلفون، فهل من حقه أن يأخذ التلفون معه؟ أو يترك له خط التلفون؟ نقول: إن التلفون ملكٌ لصاحبه؛ لأن التلفون في الأصل صفة كمال في المبيع، ولذلك الدور منها ما هو موجود فيها، ومنها ما هو غير موجود، لكن الكهرباء موجودة في المبيعات، وحينئذ نقول: هذا التلفون من حقه أن يستخرجه، لكن لو اشترط المشتري، وقال: أشتري الدار بما فيها من التلفونات، كان من حقه ذلك.

وبناء على ذلك، يُفرق بين ما يكون متصلاً، خاصة بالعرف، وبين ما يكون منفصلاً عن الدار، فيتبع المتصل ولا يتبع المنفصل، وكذلك أيضاً من الفراش، فما يوجد من فرش الدار الموجود في عصرنا، فيحكم بكونه ملكاً للبائع، كما قرر العلماء رحمهم الله تعالى أن فرش الدار يكون ملكاً للبائع، ولا يحكم بكونه تابعاً للرقبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>