قال المصنف رحمه الله:[وإن لم أطلقك فأنت طالق] الشرط له حالتان: الأولى: أن يكون بالإثبات: إن دخلت، إن خرجت، إن تكلمت، إن قمت، إن كتبت، إن قعدت، إن زرت أباك، إن ذهبت إلى أمك، ونحو ذلك، يعني: إذا وجدت هذه الصفات، وجد المشروط وهو الطلاق.
الثانية: أن يكون بالنفي: إن لم أطلقك، إن لم تقومي، إن لم تقعدي، إن لم تتكلمي، فهذا على النفي، والأول على الإثبات، فإذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فهذا متعلق بالشرط المحض، ولا علاقة له بالزمان، فقد اشترط فيما بينه وبين الله أن زوجته إن لم يطلقها فإنها تطلق عليه، فنقول: إما أن يقع منه طلاق، فحينئذ ينحل التعليق، وهذا في حالة ما إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، عند من يرى أن الثلاث تقع بكلمة واحدة، فالأفضل أن يطلقها طلقة واحدة؛ لأنه قال: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، فالواحدة؛ وهي التي اشترط انتفاءها لوقوع الثلاث أهون من وقوع الثلاث، أو يقول لها: إن لم أطلقك فأنت طالق طلقتين، فالطلقة أهون من الطلقتين، ولذلك إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فإن الشرط لم يتقيد بالزمان المعين، ولم يسند الشرط إلى الزمان ولا يقتضيه، ولا تقتضيه الأداة كإذا ونحوها من الأدوات، وبناءً على ذلك يقول العلماء في (إن) التي تتمحض بالشرطية: ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً؛ لأنه يقول: إن لم أطلقك فأنت طالق، فبيني وبين الله أن طلاقك يقع إن لم يحصل مني طلاق، وهو إذا بقي مدة حياته ولم يطلقها، فإنها لا تطلق عليه، حتى يبقى قبل موته قدر زمان الطلاق فتطلق عليه؛ لأنه يتحقق حينئذ أنه لم يطلقها في حياته، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، إما أن تكون هي تموت قبله، أو هو يموت قبلها، فأسبقهما موتاً ننظر قبل موته بلحظات يمكن وقوع الطلقة فيها فإن لم يطلق فإنها تطلق عليه.
فقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق، اشترط فيما بينه وبين الله تطليق امرأته بشرط أن لا يقع طلاق، وحينئذ ينبغي أن ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً، سواء الرجل أو المرأة؛ لأن الزوجية في الحياة موقوفة على الموت، وأما سريان الأحكام بعد الموت فهذا يكون في بعض الأحيان لورود النصوص فيها، لكن من حيث قضية الطلاق للميت، فإن الميت لا يطلق، ولا يُطلق، وبناءً على ذلك قالوا في هذه المسألة: ننتظر إلى ما قبل الوفاة، سواء تعلقت الوفاة بمصدر الطلاق-وهو الرجل- أو تعلقت بمحل الطلاق-وهي المرأة- فننظر للاثنين؛ أيهما بقي من عمره قدر يصح أن يُطَلق فيه -إذا كان امرأة- أو يطلق فيه -إذا كان رجلاً- فإن مضى قدر ذلك الزمان وقع الطلاق.
مثال ذلك: قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وسبقته بالوفاة، فننظر إلى ما قبل وفاتها بيسير، فحينئذ إن لم يطلقها، فإنها تطلق عليه بالشرط، وعلى هذا نقول: إن المرأة تطلق إذا سبقت بالوفاة بشرط أن يمضي أو يبقى من عمرها قدر الزمان الذي يمكن أن تُطَلق فيه، ولم يطلقها؛ لأنه يفوت الطلاق بفواته، إذا فات هذا الزمان-الذي هو قبل الوفاة بقدر التلفظ بالطلاق- فإن هذا القدر من الزمان يفوت الطلاق بفواته، فإذا فات الطلاق تحقق الشرط، إن لم أطلقك فأنت طالق، وبناء على ذلك قالوا: إنَّ (إنْ) ليست متعلقة بالزمان، وإنما تعلقت بمحض الشرطية، وكذلك بالنسبة للرجل لو أنه امتنع من طلاقها حياته كلها، حتى بقي قبل وفاته بزمان يسير، نظرنا: إن كان الزمن يسع لقدر الطلاق، ولم يتلفظ بالطلاق، وقع الطلاق بالتعليق، وعليه ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بفواته-أي بموته-، ونقدر الزمان قبل الوفاة، سواء كانت المرأة، أو كان الرجل.