كيف نجمع بين الحديث الذي في صحيح مسلم:(إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وبين قول الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤]؟
الجواب
حديث الصحيح (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) للعلماء فيه أوجه: الوجه الأول: أن المراد بقوله: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) إذا وصى بذلك، فإذا وصى بذلك فإنه يعتبر من كسبه وسعيه، فتكون الآية مستقيمة على هذا المعنى؛ لأنه تسبب في البكاء عليه بالوصية، وكان هذا البكاء من وزره وسعيه، ولا تعارض بين الآية والحديث من هذا الوجه.
الوجه الثاني: أن يكون الشخص عالماً أن أهله سيبكون عليه ويبالغون في هذا البكاء، فيقرهم على ذلك ويحفزهم عليه، ولا يوصي بامتناعهم عن ذلك، قالوا: فحينئذٍ يكون قصر وألزم بعاقبة تقصيره.
الوجه الثالث: ليس المراد عذاب العقوبة، وإنما المراد به عذاب الحزن والوجد، بمعنى: أن الله يسمعه بكاء أهله عليه فيتألم لذلك ويكون له نوعٌ من العذاب، وليس العذاب الحقيقي، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمى العذاب الذي ليس مشتملاً على العقوبة بعذاب، وهو الألم النفسي كما في قوله عليه الصلاة والسلام:(السفر قطعةٌ من العذاب) مع أنه ليس بعذاب عقوبة، وإنما هو عذابٌ في النفس كما فسره بقوله:(يمنع أحدكم طعامه وشرابه وراحته، فإذا قضى نهمته فليرجع) فدل على أن قوله: (السفر قطعة من العذاب) أي: عذاب النفس وعنائها، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام:(إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) أي: أنه يجد الحزن والألم حينما يسمعه الله بكاء أهله عليه، وقد جاء في بعض الآثار عن بعض الصحابة ما يشهد لذلك:(أنه لما احتضر جعلت امرأته تثني عليه وتزكيه، فلما أفاق قال: إنه لكزني -أي: الملك- وقال: أأنت كذلك؟ أأنت كذلك؟ ما قلت شيئاً إلا لكزت عليه)، وقالوا: إن هذا إنما هو الألم النفسي.
وهذا الجواب الأخير هو أقوى الأجوبة؛ أن المراد به أنه يسمعه الله بكاء أهله عليه فيتألم ويحصل له من الحزن والوجد ما يكون نوع عذاب نفسي، لا أنه عذاب عقوبة وألم جسد.
ثم يليه في القوة: إذا وصى بذلك وأقر عليه؛ فإنه يقوى حينئذٍ أن يكون متحملاً لوزره، ولا تعارض بين الآية والحديث والله تعالى أعلم.