[حكم معالجة الزوج لزوجته]
قال رحمه الله: [لا دواء وأجرة طبيب] أي: ليس على الزوج أن يداوي زوجته، وليس على الزوج أن يعالجها إذا مرضت، وهذا محل إجماع واتفاق بين المذاهب الأربعة رحمة الله عليهم وغيرهم، فكلهم نصوا على أن الزوج ليس ملزماً بعلاج زوجته، وذلك لأن المرض متعلق ببدنها، وهذا أمر يتعلق بذاتها وليس له صلة بالحياة الزوجية، صحيح أنه لا يمكنه أن يستمتع بها إلا إذا شفيت، هذا شيء لا يعنيه، مثل ما لو استأجر أجيراً لعمل فمرض الأجير، فليس من حق الأجير أن يطالب بعلاجه.
وإن كانت في بعض القوانين والأعراف تُلزم رب العمل بمداواة الأجير، ولكن هذا ليس له أصل في الشرع، فالأجير بيني وبينه عقد أن يقوم ببناء أو أن يقوم بعمل ويأخذ أجره، أما أن أكلف بعلاجه ودوائه فهذا ليس له أصل شرعي يدل عليه، وهذا هو المعروف عند العلماء.
ولذلك لما ذكروا مسألة الزوجة أنه لا يجب تطبيبها قاسوها على مسألة الإجارة، كما نبه على ذلك الإمام ابن قدامة وغيره رحمة الله عليه؛ لأن طب البدن نفسه من مصلحة الزوجة لذاتها، وإن كان لا يستطيع أن يحقق مقصوده من الاستمتاع بها.
إذاً: إذا أحب أن يتفضل فهذا فضل منه وليس بفرض عليه، فليس بواجب عليه أن يعالج زوجته، ولكن من المعروف والإحسان أن الزوج يقوم على معالجة زوجته، ويسعى في تطبيبها ودوائها، وهذا من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل؛ لأن فيه إحساناً إلى أقرب الناس إليك بعد والديك وهي زوجك وحِبك وأهلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
والعلاج ينقسم إلى: طب دوائي وطب وقائي، فإن خرج عن الطب العلاجي والوقائي إلى أمور بعضها قد يكون معارضاً للشريعة، فحينئذٍ لا، فإذا كانت المرأة محتاجة لعلاج ضروري لإنقاذ نفسها من أمراض كأمراض القلب وأمراض الشرايين -أعاذنا الله وإياكم منها- ونحو ذلك من الأمراض المميتة، فهذه ضرورية، أو كانت حاجية كآلام الضرس ونحوها، فهذه حاجية؛ لأن فيها حرجاً، أو كانت وقائية مثل أن تستخدم بعض العقاقير لأمر يغلب على الظن أنها وقوعه، وبعض العقاقير التي يقصد منها التحصين من الأمراض ونحوها.
أما إذا خرج عن الدواء والوقاء وأصبح من الفضول، أو أصبح مخالفاً لمقصود الشرع مثل: وضع اللولب، فهذا ليس بعلاج ولا دواء، وليس بوقاية من حيث الأصل، وفيه استباحة الفرج مع اشتماله على المحاذير، من استباحة النظر إلى الفرج، والإيلاج في الفرج، ومس العورة وكشفها، وكذلك إرباك العادة، فإنه يربك العادة، مع أنه يخالف مقصود الشرع؛ لأنه يقطع النسل في مدة وجوده، ومقصود الشرع من الزواج التكاثر والتناسل.
ولذلك لما ضعف إيمان الناس في هذا الزمان إلا من رحم الله عز وجل، وأصبحت المرأة تشتكي من الحمل؛ أصبح كل شيء ضرورياً، وأصبحت تقول: ضرورة.
مع أن الله عز وجل أثبت أن الحمل كره وأنه وهن على وهن، وأنه عذاب، ولماذا أعطى الله الأم من الحق ما لم يعطه للأب، وأعطاها من الفضل والخير والأجر، حتى إنها لو ماتت في نفاسها فهي شهيدة؟ هذا كله يدل على أن الشرع له مقصود في هذا.
فالمقصود أنه إذا كان علاجها مشتملاً على تغيير الخلقة، أو مشتملاً على محذور، فهذا لا يعالجه؛ لأنه إذا عالجها على هذا الوجه أعانها على معصية الله عز وجل.
فيداويها ويعالجها إذا احتاجت، أما إذا كان العلاج للحمل، فالحمل واجب عليه أن ينفق عليه وأن يقوم عليه؛ لأن الولد ولده، ولذلك قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٦] فبيّن سبحانه وتعالى أن الحمل مستحق لوالده، ولذلك يُلزم بالنفقة عليه، فإذا احتاجت لدواء لهذا الحمل وجب عليه أن ينفق على هذا الجنين؛ لأن حياته ونجاته بإذن الله عز وجل موقوفة على هذا الدواء أو هذا العلاج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولذلك يجب عليه أن ينفق، ونفقة حياة الجنين والمحافظة على حياة الجنين أعظم من نفقة ما يتبع ذلك.
ولذلك يجب عليه أن يعالج المرأة إذا كان ذلك متعلقاً بحملها، بناءً على ما قرره العلماء رحمهم الله من أن المولود له، وأنه يطالب بنفقة الحمل.