[ما يلحق برأس المال ويخبر به وما لا يلحق]
قال رحمه الله: [وما يزاد في ثمن، أو يحط منه في مدة خيار، أو يؤخذ أرشاً لعيب، أو جناية عليه، يلحق برأس ماله ويخبر به]: قوله: رحمه الله: [وما يزاد في ثمن]: أي: في مدة الخيار، وهذا يقع في خيار المجلس، وقد يقع في خيار الشرط، لكنه يقع في خيار المجلس وجهاً واحداً من جهة أن من حق المشتري أن يرجع، وذلك أنه إذا اتفق معه على أن القيمة الأولى لا تكفي فرضي أن يزيد فلا إشكال.
صورة المسألة: كنت مع رجل فقال لك: عندي عمارة أبيعها لك بمائة ألف، فوصف لك العمارة وصفاً كاملاً، أو قال لك: عمارتي التي تعرفها في المكان الفلاني أو في الشارع الفلاني، أبيعها بمائة ألف، فقلت له: قبلت -وقد بينّا فيما مضى أنه ما دام البائع والمشتري في مجلس واحد، فهما بالخيار -ففي أثناء المجلس قال لك: رجعت عن المائة ألف أريد عشرين زيادة، فإما أن تعطيني عشرين أو فسخت، فقلت له: هذه عشرون، أو من باب حثه على أن يمضي البيع، قلت له: رضيت أن أزيدك عشرين ألفاً.
فهذه الزيادة التي طرأت على أصل العقد، قد يخبر البائع الثاني المشتري بالقيمة المحصلة فيقول: هذه العمارة اشتريتها بمائة وعشرين، وهو في الحقيقة اشتراها بمائة، والعشرون قد زادها في مجلس العقد، وهذه العشرون التي زادها فيها شبهة، فربما زادها بسبب ضغط البائع لعلمه بجهل هذا المشتري، فحينئذٍ ينبغي أن يخبر بحقيقة هذه العشرين، فيقول: أنا اشتريت بمائة، وكنا في مجلس العقد فألزمني بعشرين، فرضيت بها، فهذا الرضا يحتمل أني أنا رضيت من باب أنني أرغب في هذه العمارة لمصلحتي الخاصة، وربما أنني أرغبها لشيء في ذلك الزمن، فزدت العشرين لا لمصلحة البيع، وليس من أجل البيع.
وذلك حتى يكون من حق المشتري الثاني النظر فإن شاء اعتبر القيمة على وجهها، وإن شاء نكص وامتنع من الشراء.
إذاً: إذا زاده وهو في حال الخيار في القيمة أو انتقص منها، كان من حق المشتري أن يعلم بذلك ويجب على البائع أن يعلمه بذلك.
قوله رحمه الله: [أو يحط منه في مدة خيار، أو يؤخذ أرشاًَ لعيب]: [أو يؤخذ أرشاً لعيب]: لو أنه اشترى العمارة بمائة ألف، وجاء وقال لك: هذه العمارة رأس مالي فيها مائة ألف، وهو صادق أن العمارة بيعت بمائة ألف؛ ولكنه في الحقيقة وجد في العمارة عيباً، وهذا العيب يحط من المائة عشرين، فلو قال لك: أنا اشتريتها بمائة ألف فهو صادق أنه اشتراها بمائة ألف، ولكن العيب الذي وجد في العمارة حط الثمن إلى ثمانين، فيجب أن يخبرك أن هناك عيباً أخذ به أرشاً وهي العشرون، لكي تصبح الحقيقة أنه اشترى بثمانين، فلو قال لك: اشتريت بمائة وسكت عن الأرش، وثبت ذلك عند القاضي، فإن هذا يثبت الخيار للمشتري.
قال رحمه الله: [أو جناية عليه]: أي: جناية على المبيع، فإن المبيع إذا جني عليه خاصة إذا كان في مدة الخيار فإنه ينقص من القيمة، فمثلاً: اشترى سيارة بمائة ألف، فصدمها شخص وهي واقفة، ولما صدمها ضمن التلف الذي أحدثه فيها، فأعطى صاحبها أرشاً، فأخذها وأصلحها ثم قال: هذه السيارة رأس مالي فيها كذا، أو جاء بها بوضعها الراهن، وهي مصدومة، وقال لك: هذه السيارة اشتريتها بمائة ألف، فهو صادق أنه اشتراها بمائة ألف، لكن هذا العيب الموجود فيها، والذي طرأ فأنقص القيمة وكان فيها الأرش، فكأن السيارة اشتريت بمائة ألف، والأرش قيمته عشرون ألفاً، فمعناه أنه تكلف في السيارة ثمانون ألفاً، وأن القيمة الحقيقية لهذه السيارة بعد الأرش إنما هي الثمانون.
وبناءً على ذلك: فكأن أحكام هذا النوع من الخيارات تدور حول مسألة الحقيقة، وأنه لا يجوز أن يستفضل البائع عن طريق المرابحة أو طريق التولية أو طريق المواضعة شيئاً زائداً عن حقه، وكل المراد أن يصل هذا إلى حقه، وكما قررنا في الأول، أنها قائمة على العدل، بحيث يأخذ البائع حقه والمشتري حقه.
قال رحمه الله: [يلحق برأس ماله ويخبر به]: أي: يلحق برأس ماله ويقول: نعم أنا اشتريت هذه السيارة بمائة ألف، ووجدت فيها عيباً فرد لي القاضي أرشاً لقاء هذا العيب عشرين ألفاً، أو رد لي أرشاً لقاء هذا العيب عشرة آلاف، وقس على هذا.
قال رحمه الله: [وإن كان بعد لزوم البيع لم يلحق به]: لأنه بعد لزوم البيع من ضمان المشتري إنما يكون في مدة الخيار، ويقع هذا كما ذكرنا في خيار الشرط على أصح الأوجه فإذا قال: إذا قال: لي الخيار ثلاثة أيام، ثم وقع حادث سيارة بالنقص خلال الثلاثة أيام، فلا بد من العلم بالنقص، وفي ظاهر هذه العبارة أنه لو طرأ النقص بعد العقد أو بعد تمام العقد أنه لا يخبر، مع أن هناك صوراً ينبغي فيها الإخبار والتي تسمى بصور الزيادة وصور النقص، ففي بعض هذه الصور يجب عليه أن يخبر.
من أمثلة ذلك: لو اشترى دابة وهي سمينة بمائة، ثم أخذها فاعتلت وتغيرت وجاءها النقص من جهة مرض أو من جهة سوء تدبير، أما الأصل أن قيمتها مائة، فإذا جاء وقال: رأس مالي فيها مائة، فرأس ماله فيها بمائة حينما كانت كاملة صحيحة، لكن هذا النقص ولو كان طارئاً بعد لزوم البيع، فينبغي أن يخبر به، وأن يقول: هذا النقص طرأ عنده.
وأشار في الشرح أنه ليس هناك خلاف بين أهل العلم رحمهم الله أنه ينبغي أن يخبر في هذه الحالة، كنقص الأمراض ونقص العيوب التي تطرأ بعد لزوم البيع، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يسند الثمن الأصلي إلى الأول دون أن يكشف حقيقة الأمر؛ لأنه بعد وجود هذا العيب، الصفقة في حقيقتها تستحق ما دون رأس المال المذكور، فلو قال له: أنا اشتريت هذه الدابة بمائة، فقد ظلمه؛ لأنه اشتراها كاملة وهي في حالها حين البيع الثاني ناقصة، فيكون فيه ختل للمشتري الثاني، فيجب عليه أن يخبره.
كذلك مما يلتحق بهذا ما ذكره بعض العلماء: وهي الزيادة المنفصلة، كأن يشتري ناقة عشراء، بمائة، وتلد بعد ذلك، فيأتي المشتري ويقول: كم رأس مالك؟ فيقول: مائة، وهو صادق أنه اشتراها بمائة؛ لكنه اشتراها بمائة وهي حامل، فمثل هذا يشدد فيه طائفة من العلماء ويقولون: يجب عليه أن يبينه على حقيقته، حتى لا يختل المشتري بثمن زائد عن استحقاق السلعة.
قال رحمه الله: [وإن أخبر بالحال فحسن]: هذا بالنسبة لمسألة الزيادة التي تطرأ بعد لزوم البيع؛ ومن أمثلة الاستحقاقات التي تكون بعد لزوم البيع: أن تكون الزيادة لقاء كلفة ومشقة، مثل أن يقول: بكم هذه السلعة من الطعام؟ قال: بمائة، قال: أريد أن تصل إلى بيتي، فيقول: فلان يحملها لك بعشرة، فتم البيع على مائة، ويكون عقد الإجارة بعد لزوم البيع، فهو ليس راجعاً إلى البيع وليس بأساس البيع، فحينئذٍ يخبر ويقول: هذه السلعة اشتريتها بمائة، ولكنها كلفتني مائة وعشرة، فإني جلبتها إلى مخازني أو حفظتها في مخازني فكلفني هذا عشرة آلاف، فأصبح رأس مالي فيها من القيمة ورأس مالي فيها من التعب والعناء مائة وعشرة.