للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعليق الطلاق على الولادة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به] هذا الفصل وصفه بعض العلماء بتعليق الطلاق بالولادة، والناس تختلف عباراتهم والجمل التي يستخدمونها في تعليق الطلاق، ولما كانت الجمل تشتمل على بعض الأمور المهمة التي يختلف فيها الحكم مع اختلاف الأحوال فإن العلماء -رحمهم الله- يعتنون بذكر المسائل فيها، لكي يكون في ذلك رياضة للذهن، ومعونة لطالب العلم على استيعاب هذه الصور وأمثالها، وقد بينا ذلك فيما تقدم في مسائل التعليق.

وتعليق الطلاق بالولادة: أن يرتب الطلاق على وجود الولادة، وقد يكون الطلاق متوقفاً على معرفة نوعية الولد الذي تلده المرأة، فتارة يقول: أنت طالق إذا ولدتِ ذكراً، فيجعل الطلاق مرتباً على كون المولود ذكراً، وتارة يقول: إذا ولدتِ أنثى، فيكون الطلاق مقيداً بولادة الأنثى، وتارة يخالف في عدد الطلاق باختلاف نوعية المولود، فيقول: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فطلقتين، وتارة يقول: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن كان الذي في بطنكِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين، وفي القديم يتوقفون في مثل هذه الحالة إلى الولادة، فيتوقف العالم والمفتي عن الفتوى في الطلاق إلى خروج الولد، أو يعطي الحكم مرتباً على حسب نوعية الولد، لاختلاف عدد الطلاق باختلافه.

والولادة مأخوذة من الولد، والولد في لغة العرب يطلق على الذكر والأنثى، فإذا قيل: ولد، شمل الذكر والأنثى، وإن كان بعض الناس يخصونه بالذكور، ولكن هذا خلاف الأصل اللغوي، وخلاف إطلاق القرآن كما قال سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١] فجعل الولد شاملاً للذكر وللأنثى، وسميت الولادة ولادة؛ لأنها تشتمل على الذكور أو على الإناث وهذا في الغالب، وقد تشتمل على الخنثى الذي لا يعرف أذكر هو أو أنثى؟ لكنه نادر الوقوع، والحكم للغالب، وقولهم: يعلق الطلاق على الولادة أي: على الإنجاب وإخراج الولد، ويختلف الحكم بحسب اختلاف هذا الإخراج وما علق عليه الطلاق من صفات.

ومناسبة هذا الفصل للذي قبله: أننا كنا نتحدث عن تعليق الطلاق بالحمل، وبينا المسائل المتعلقة بتعليق الطلاق على الحمل، وبعد أن فرغ -رحمه الله- من بيان مسائل تعليق الطلاق بالحمل شرع في بيان المسائل المتعلقة بالولادة، وهذا من باب الترتيب؛ لأن الولادة تأتي بعد الحمل، والناس يعلقون الطلاق على الحمل، ويعلقون الطلاق على الولادة، وقد تتصل أحكام تعليق الطلاق بالولادة بأحكام تعليق الطلاق بالحمل، كما لو قال لها: إذا كان حملكِ ذكراً فأنتِ طالق، وإذا كان حملكِ أنثى فأنتِ لستِ بطالق، أو قال لها: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق.

فحينئذٍ ننتظر إلى الولادة، فنحكم بوقوع الطلاق إن كان ذكراً من حين تكلم به، وتكون قد خرجت من عصمته وذلك بانتهاء عدتها بالولادة؛ لأننا نحكم بطلاقها منذ أن تلفظ بقوله: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة.

فحينئذٍ إذا ولدت ذكراً علمنا أن الطلاق قد وقع من قوله: إن كان الذي في بطنكِ ذكراً، وقد كان الذي في بطنها ذكراً، فحينئذٍِ تطلق من حين تلفظه، ثم تبقى في عدتها إلى أن تخرج من العدة بولادة الولد؛ لأن المرأة الحامل تنتهي عدتها بوضع حملها، فنحكم بخروجها من العدة بمجرد خروج الذكر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>