قال رحمه الله:[وإن قال: كالميتة والدم ولحم الخنزير؛ وقع ما نواه من طلاق وظهارٍ ويمين، وإن لم ينو شيئاً فظهار].
هذه المسألة الخلاف فيها بين المالكية والحنابلة، إذا قال لها: أنت علي كالميتة، أو كالخنزير، أولاً: هذا إثم ومنكر وزور من القول؛ لأن الله كرم بني آدم، ولا يجوز تشبيه الآدمي بالحيوان، ولا يجوز ذلك إلا للكافر {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:٤٤] فالأنعام أفضل من الكافر؛ لأن الأنعام تعرف الله، لذلك لو نظرت إلى البهيمة وهي في المخاض تريد أن تضع حملها، تجدها ترفع بصرها إلى السماء، كأنها تستجير بالله سبحانه وتعالى، وتدعو ربها وتستغيث بالله سبحانه وتعالى، وفيها من التوحيد والإيمان والالتجاء والرجوع إلى الله ما لا تجده عند الكافر الذي كفر نعمة الله، ففضلت لهذا، ولذلك الكافر إذا أخذ في الأسر ضرب الرق عليه في الإسلام، وكان حاله أسوأ من البهيمة -أكرمكم الله- فيباع ويُشترى؛ لأنه كفر نعمة الله، فخرج عن آدميته، وهذا المعنى ينبغي أن ينتبه له، أنه لا يجوز تشبيه المسلم والمسلمة بالبهيمة.
ولذلك القاضي لو ارتفع إليه مسلمٌ شبه أخاه المسلم ببهيمة قال له مثلاً: أنت كالشاة، أو كالبقرة، أو كذا، فإنه يعزره ويؤدبه بما يليق بحاله وحال من خاطبه بهذا، فلا يجوز تشبيه المسلم أو المسلمة بالبهيمة، فالعلماء لما قالوا: إن قال: كالميتة؛ لا يعني أن هذا جائز، فإن هذا لا يجوز بالإجماع، والله تعالى يقول:{وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة:٢٣٧] ولم يبح للزوج إهانة المرأة، ولم يعطه أن يستبد، وأن يخرج عن طوره إلى ما حرم الله عز وجل عليه، ولذلك حينما يستبد ويخرج عن طوره؛ فإنه يقع في الإثم، والمسلم لا يتعدى حدود الله عز وجل، فلا يجوز قول مثل هذا الكلام؛ لأنه من أشنع ما يكون في إهانة المرأة، فالميتة نجسة، وهذه مسلمة، فلا يجوز تشبيه الطاهر بالنجس، ولا يجوز تشبيه الآدمي بالبهيمة كما ذكرنا، فاللفظ محرم بالإجماع، لكن لو قال لها ذلك؛ كأنه يقول: أنت عليَّ كالميتة، هذا أصل التقدير، والمالكية يجعلونها مطلقة ثلاث تطليقات؛ لأنه شبهها بأقصى درجات التحريم، فإنه إذا قال لها: كالميتة؛ معنى ذلك أنها لا تحل له ألبتة، فقالوا: في المشبه به وصف يقتضي أنها لا تحل له أبداً.
وعلى هذا يقولون: إنها في الأصل ليست بحلال، فالمرأة حرام عليه إلى الأبد، فإذاً كأنه يقول: حرام عليَّ إلى الأبد، وليس هناك تحريم إلى الأبد، وإنما هناك تحريم في حكم العدد وهو تحريم الثلاث، فأعطوه غاية التحريم وهو الثلاث.
قوله:(وقع ما نواه من طلاق وظهار ويمين) الحنابلة خففوا في هذه المسألة وقالوا: إن شبهها بهذا رجع إلى نيته، إن قصد اليمين فيمين، وإن قصد تحريم الظهار فظهار، وإن قصد تحريم الثلاث فثلاث، وإن قصد به عدداً من الطلاق فبحسب ما نوى.
قوله:(وإن لم ينو شيئاً فظهار) لأنه أشبه قوله: أنت علي حرام، فأنت كالميتة كالخنزير كالدم اشتركت هذه الألفاظ مع التحريم من جهة كونها كلها محرمة على المكلف.