هذا اللعان وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء رحمهم الله في قصتين صحيحتين ثابتتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: القصة الأولى: وقعت لصحابي يدعى: عويمر العجلاني من بني عجلان، والثانية: لـ هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عز وجل عليهم كما في قصة غزوة تبوك، فاختلف العلماء رحمهم الله: هل نزلت آيات اللعان بسبب قصة عويمر أو بسبب قصة هلال؟ والذي عليه أكثر الأئمة رحمهم الله واختاره بعض أئمة التفسير أنها نزلت في هلال بن أمية لما قذف امرأته بـ شريك بن سحماء رضي الله عن الجميع، واختار الإمام النووي رحمه الله أنها نزلت في عويمر العجلاني، وقصته أنه أتى إلى عاصم العجلاني، وهو ابن عمه فقال: يا عاصم! الرجل يجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي -يا عاصم - عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله، فكره النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام لا يحب المسائل التي لم تقع خشية أن تحدث تشريعات وأحكام تضيق على الأمة؛ ولذلك كان يقول كما في مسند أحمد:(أعظم المسلمين جرماً رجلٌ سأل عن شيء لم يحرم، فحرّم من أجل مسألته)، وقال:(إن الله أحل أشياء فلا تحرموها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها)، فكان يكره المسائل، فلما جاء عاصم وسأل هذا السؤال ولم يبين أنه وقع لم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع عاصم إلى قومه فجاءه عويمر، وقال: يا عاصم! هل سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له عاصم: قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة، فقال عويمر: والله! لا أنتهي حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، وكانت زوجته ابنة عمه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ يعني: لو أنه قتله، ليس عنده شهود يثبتون أنه زانٍ؛ ولذلك سيقتل به؛ لأنه لو فتح هذا الباب لأمكن كل شخص يكره شخصاً أن يدعوه إلى بيته ثم يقتله، وقد يكون كارهاً لزوجته، فيدعي زناها بالرجل، فقال عليه الصلاة والسلام:(إنه قد نزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فأت بها، فذهب وجاء بامرأته، وتلاعنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأما قصة هلال بن أمية رضي الله عنه -وكان أخاً للبراء بن مالك لأمه- فإنه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ بين أصحابه فقذف امرأته بـ شريك بن سحماء، أما عويمر ففي قصته أنه قال: يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ أما هلال بن أمية فإنه تلفظ باللفظ الصريح أن امرأته زنت بـ شريك بن سحماء، قال عبد الله بن عباس كما في صحيح البخاري وغيره: إن هلال بن أمية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقذف امرأته بـ شريك بن سحماء، يعني: سمى الرجل الذي وجده، وقال: يا رسول الله! لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني، والله! يعلم إني صادقٌ فيما أقول، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(البينة أو حدٌ في ظهرك)، فقال هلال:(والله! ما كذبت يا رسول الله! والله! يعلم إني صادق وسينزل الله فيّ قرآناً يصدقني)، فقال عليه الصلاة والسلام: البينة أو حدٌ في ظهرك؛ لأن الله عز وجل أثبت الحد في أول الإسلام على كل من قذف زوجته أو غيرها، فإما أن يثبت زناها بالبينة أو يقام عليه الحد، وهو ثمانون جلدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -على الأصل-: (البينة أو حدٌ في ظهرك)، يعني إما أن تحضر البينة أو أقمت عليك الحد، وسياق الحديث في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤكد أن القصة أول ما حدثت مع هلال بن أمية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بالأصل الذي سبق نزول آيات اللعان، فقال له:(البينة أو حدٌ في ظهرك)، وهذا يرجع ويقوي أنها نزلت أول ما نزلت في هلال، وهو مذهب الأكثرين، فلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(البينة أو حدٌ في ظهرك)، اعتذر الرجل بما اعتذر، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي، فلما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أمره أن يحضر المرأة ثم أمرهما أن يتلاعنا، فبدأ بـ هلال فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، وإنها زنت، وإن الحمل الذي في بطنها ليس منه، ثم خمّس بشهادة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم بعد ذلك شهدت المرأة أيمانها، فقال صلى الله عليه وسلم:(انظروا إليه فإن جاءت به أُصيهباً أحمش الساقين فهو لـ هلال -يعني: قد كذب والولد ولده-، وإن جاءت به أورق خدلج الساقين فهو للذي ذكر)، فجاءت به على صفة الرجل الزاني والعياذ بالله!