للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم تجصيص القبر]

قال المصنف رحمه الله: [ويكره تجصيصه].

الكراهة تطلق عند العلماء على معنيين: الكراهة التحريمية، بمعنى: أنه لا يجوز فعل الشيء المكروه، ومن فعله أثم، ومن تركه أثيب.

والكراهة التنزيهية، وهي التي يثاب تاركها ولا يعاقب فاعلها.

فقوله: (ويكره) مترددٌ بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه، والأكثر في تعبيرات السلف الصالح رحمةُ الله عليهم حمل الكراهة على التحريم، فقد تجد الأئمة كالإمام أحمد ومالك رحمة الله على الجميع يقول: هذا شيءٌ أكرهه، ومراده: أنه حرام، وإنما اتقى ويتقي كل منهم التعبير بالحرمة ورعاً وخوفاً من الله سبحانه وتعالى من التصريح بالحرمة، فيقول: أكرهه، فعبر رحمه الله بكراهية البناء على القبر، والكراهة تحريمية.

وقوله: (ويكره تجصيصه) أي: تجصيص القبر، وهو وضع الجص فيه، وذلك يكون ببناء داخله، وهكذا يكون بتزويقه وتجميله ووضع الرخام ونحو ذلك في داخل القبر، فكل ذلك مكروهٌ كراهة تحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبر كما ثبت في حديث جابر وغيره، وهذا النهي الأصل أنه للتحريم حتى يدل الدليل على ما دون التحريم وهو الكراهة، ولا دليل يدل على أنه مكروهٌ كراهة تنزيه، فهو مكروهٌ كراهةً تحريمية.

وعلى هذا: فإنه يعتبر من المحرمات، فلا يجوز تزويق القبور ولا تبطين داخلها ولا تطيينه ولا تجصيصه، وإنما يكون على حال الأرض وعلى هيئتها؛ إلا في أحوال مستثناة يشد فيها القبر كما في المواضع التي فيها الرمال ونحوها، فقد رخص بأشياء قدر الحاجة والضرورة على سبيل أن يثبت القبر على المقبور فلا ينهدم عليه، وليس على سبيل البناء.

فقوله: (ويكره تجصيصه) شرع رحمه الله في الأمور التي لا يجوز فعلها بالقبر، فبعد أن بين ما هي السنة في القبر، وأنه يرفع ولا يترك مستوياً على الأرض، وأنه يسنم، فابتدأ بالتجصيص الذي يكون من الداخل، ثم سيذكر ما بعد ذلك من البناء والكتابة عليه، وهي تكون في الظاهر، وكل ذلك من ترتيب الأفكار وتتابعها على النسق المعروف، وابتدأ بالتجصيص؛ لأنه أول ما يكون بعد وضع الميت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>