[صحة حج من زال رقه وجنونه وصباه قبل غروب شمس يوم عرفة]
قوله: [فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوافها صح فرضاً] أي: لو خرج الرقيق من المدينة إلى مكة وهو يريد الحج، فإننا ننظر إن وقع عتقه قبل الوقوف بعرفة فللعلماء فيه أقوال: أصح الأقوال أنه يجزيه عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات.
وقال فقهاء الحنفية: يجب أن يرجع إلى الميقات؛ لأنه وجب عليه الحج من ميقاته، فيرجع لكي يحرم منه، فإن لم يرجع لم يجزه، فقيل لهم: لماذا؟ قالوا: لأن نيته الأولى وقعت نافلة ولم يكن الحج واجباً عليه، فلما وقعت نافلة فلا ينقلب النفل إلى الفريضة.
وقال بعض العلماء: يجب عليه أن يرجع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم، فإن حج من مكانه ومضى فإنه يصح حجه ولكن يجب عليه دم.
فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم: منهم من يقول: يصح ما دام أنه قد عتق قبل الوقوف بعرفة، أو أثناء وقوفه بعرفة قبل أن يدفع، ويجزيه عن حجة الإسلام.
ومنهم من قال: يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يخرج بنية الفريضة بدل نية النافلة.
ومنهم من قال: إنه يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم؛ لأنه سَيُحْرِمُ بالحج الفرض من موضع دون الميقات.
والصحيح أنه يجزيه في حجه أن يمضي؛ وذلك لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً وهو يطوف بالبيت يقول: لبيك عن شبرمة، لبيك عن شبرمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ومن شبرمة؟ قال: أخي -أو ابن عم لي- مات ولم يحج، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا.
قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة).
فهذا الحج الذي وقع من هذا الرجل كان في الميقات قد نوى عن شبرمة، فلو كان يلزمه الرجوع إلى الميقات لقال له: ارجع إلى الميقات وانوِ عن نفسك؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فاغتفر الشرع ذلك وصار من سماحة الشرع ويسره.
وإلا فالأصول تقوي أن يرجع، فلما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم هذا، دل على أن من طرأ له الحكم وانقلبت نيته أن ذلك لا يؤثر، وقد قال علي رضي الله عنه: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد قدم من اليمن، فلم يقل له: ارجع إلى يلملم وجدد النية بما نويت به.
يقول العلماء: إن هذا يدل على أنه لا يلزم الرجوع إلى الميقات، وأنه إذا عتق الرقيق وبلغ الصبي قبل الوقوف بعرفة، فإنه يجزيهما أن يمضيا في حجهما.