[يستوي المنفذ والمخطط من المحاربين في استحقاق العقوبة]
فأما بالنسبة للقتل، فبين المصنف رحمه الله يقتلوا سواء حصلت المكافأة بينهم وبين المقتول أو لم تحصل، وهذه العقوبة أشار إليها الله عز وجل بقوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}[المائدة:٣٣] فجمع لهم بين القتل والصلب، وقد جاء في أثر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، أن المحاربين إذا قتلوا وأخذوا المال فإنهم يقتلون ويصلبون، وظاهر قوله أنهم يقتلون يستوي فيه المباشر للقتل والمعين عليه.
وهذه المسألة لها صور عديدة، وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، لكن من أشهرها قضية الحماية، وهي أن يكون قطاع الطريق على مجموعتين: مجموعة تهدد بالسلاح، ومجموعة تباشر الجريمة، فالظاهر من الأصول الشرعية والمختار من أقوال العلماء رحمهم الله أنه إذا قتل واحدٌ منهم فإنهم يستحقون القتل جميعاً، ويستوي في ذلك المباشر للقتل أو المخطط له، أو المهدد للمقتول، أو من ربطه، أو عقره، أو أغلق عليه الباب، فكل هؤلاء يجمعون في حكمٍ واحد؛ لأن الجريمة تمت بهذه الوسائل، فيستوي في ذلك المباشر والمتسبب والمعين بالرأي.
ومن هنا فإن في زماننا قد توجد بعض الوسائل التي تحتاج إلى تفكير وعمل وجهد يُتوصل من خلالها إلى الجريمة، كما في بعض الأجهزة التي تحتاج إلى فك شفراتها السرية، أو بعض المخابئ أو بعض الأشياء التي تحتاج إلى خبرة ومعرفة، فهذا الخبير لو أخذه المحاربون وتواطأ معهم على الجريمة أو أعانهم على فك هذه الأمور السرية أو الشفر، ففتح أسرارها وكشف لهم طريقة الدخول، وبين لهم كيفية حماية أنفسهم من الضرر، وكيف يستطيعون أن يصلوا إلى جريمتهم؛ فهو شريكٌ لهم، بل هو رأس الداء والبلاء، فإذا دخلوا بواسطة هذا التخطيط وهذه المعونة فقتلوا ولو واحداً فقط، فإنهم يقتلون جميعاً ويقتل هذا المدبر؛ لأنه لولا الله ثم تدبيره ومعونته على ذلك بالرأي الذي توصل من خلاله إلى الجريمة ما وقع شيء.
ومن هنا لا يشترط في الحكم بالقتل أن يكونوا مباشرين للقتل، بل يعطى الحكم للجميع، ووقوع القتل من البعض كوقوعه من الكل؛ لأن كل واحد منهم راضٍ بالقتل، وكونه يشهر السلاح وغيره يباشر القتل يدل على أنه راضٍ بهذا الفعل؛ لأن الإعانة بإشهار السلاح هي التي تعقر المقتول، وتمنعه من أخذ الحيلة وطلب الوسيلة للنجاة والفرار، فلذلك يستوي من يشارك بالعمل، ومن يشارك بالرأي، ومن يشارك بالحماية.
يقولون: إذا اشتركوا فقد يفعلون الجريمة كلهم، فأحدهم يقتل، والثاني يسرق، والثالث يضرب، فهؤلاء كلهم يعتبرون في حكم الفاعل وهو القاتل فيقتلون جميعاً.
ومن هنا لا يشترط في ثبوت القتل للجميع أن يباشر الجميع القتل، فالمعونة والحماية والتدبير والتخطيط والتهديد وإشهار السلاح، كل هؤلاء يعتبرون في حكم القاتل.