فالمسح على الخفين ثابت، وثبوته اعتبره السلف ومَن بعدهم، حتى كان بعض العلماء يُدْخل في عقيدة أهل السنة والجماعة القول بمشروعية المسح على الخفين، مبالغةً في الرد على أهل البدع والأهواء الذين لا يقولون بمشروعيته، فكانوا يُدْخلونه من جملة العقائد، فيقولون: ونرى المسح على الخفين؛ والسبب في ذلك أنه ثبت بالتواتر، فأصبح من الأمور التي ثبتت مشروعيتها بدليل القطع، وما ثبتت مشروعيته بدليل القطع وأنكره مَن اعتقد قطعه فقد كفر، -والعياذ بالله- لأنه يكذب الشريعة، وكل قطعي ثابت في الشريعة -في الكتاب أو في السُّنة- فإن إنكاره لمن اعتبر قطعيته وثبوته يُعتبر إنكاراً وتكذيباً للشرع، فيكفر بذلك كما هو مقرر في العقيدة.
فبالغ العلماء رحمة الله عليهم في إثبات هذه السُّنة، والرد على أهل البدع والأهواء الذين لا يرونها.
والمسح على الخفين ثابت في الحَضَر وثابت في السفر، فالإنسان يُرَخَّص له إذا كان في حَضَر أو كان في سفر أن يمسح على خفيه، ما دام لابساً لهما، وذلك على صورة مخصوصة، سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
وهذا المسح يعتبر رخصةً غير لازمة، أي: من الرخص غير الواجبة، وليس بلازم على الإنسان أن يمسح على خفيه.
واختلف العلماء رحمهم الله: هل الأفضل المسح أو الغسل للقدمين؟ وهي مسألة أقوى الأقوال فيها -وهو اختيار بعض العلماء من المحققين-: أنه يختلف باختلاف حال الإنسان، فإذا كان الإنسان لابساً لخفيه فالأفضل أن يمسح وألاَّ ينزعهما؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه لا يتكلف لُبس الخفين من أجل أن يمسح، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلف لبس الخفين، وإنما كان عليه الصلاة والسلام إن كانت رجلاه مكشوفتين غَسَلهما -بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه- وإن كانتا مستورتين بالخفين مَسَحَ عليهما.
وقال بعض العلماء: الأفضل بل قد يجب على طالب العلم وعلى العالِم إن عاش بين قوم ينكرون المسح أن يلبس الخفين ويمسح عليهما لِيَرُدَّ القولَ بعدم المشروعية وهذا قول صحيح من جهة النظر، وهو يرجع إلى أصلٌ معتبرٌ عند العلماء: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن توقف إحياء السنن على إظهارها وإعلانها لزم أهلَ السُّنة أن يُظهِروها وأن يعلنوها إحياءً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وبياناً لسنن الشرع، ولا يمكن لسَنَنِ الشرع أن يقوم أوْدُه وينتصب عمودُه إلا بالإحياء والدلالة قولاً وعملاً، مهما كان في ذلك من الكَلَفة على الإنسان.