[أدلة من يفصل في مسألة أخذ أجرة على تعليم القرآن]
وأما القول الثالث: الذي قال بالفرق بين المشارطة وعدمها فإنهم يجمعون بين الأدلة، ويقولون: إن الآية التي حرمت نص فيها الله عز وجل على أن التحريم للمشارطة {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ} [سبأ:٤٧]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان:٥٧]، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء:١٠٩]، {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [يوسف:١٠٤] فالسؤال مشارطة، فجعل المشارطة مؤثرة في الحل، فالمنع جاء بصورة خاصة وهي أن يسأل، والمشترط سائل، فكأنه يقول: لا أصلي حتى تعطوني ألفاً.
يقولون له: صل بنا إماماً.
يقول: أقبل أن أصلي بكم الشهر بخمسمائة.
قيل للإمام أحمد رحمة الله عليه: إن رجلاً يقول: لا أصلي بكم التراويح حتى تعطوني كذا وكذا.
قال: أعوذ بالله! من يصلي وراء هذا؟! فما دام أنه يقول: لا أصلي بكم حتى تعطوني كذلك.
معناه: أنه لا يريد الصلاة ولا يريد العبادة إلا من أجل المال.
فإذاً قالوا: إنه إذا شارط كان سائلاً، والله نهى ومنع وحرم، وجعل السؤال للأجر لقاء الوحي محظوراً على المرء، وكما أنه محظور على نبي الأمة صلى الله عليه وسلم فمن بعده قائم مقامه في كونه ممنوعاً من هذا الأمر؛ لما فيه من الإخلال بحق الدعوة والتعليم.
وكذلك أيضاً قالوا: إن الجواز دلت عليه الأدلة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتحريم دلت عليه أدلة أخرى، فنجمع بين الدليلين ونقول: من اشترط منع، ومن لم يشترط لا يمنع.
واعترض على هذا المذهب باعتراض، قيل لهم: أنتم تقولون: إننا نجمع بين أدلة الجواز والتحريم، فما رأيكم بحديث أبي سعيد والرقية، فإن حديث الرقية فيه: (لا نرقي حتى تجعلوا لنا جعلاً) فجعلوا الشرط موجوداً.
فقالوا: نعم، حديث أبي سعيد نقره ولا ننكره، ونقبله ولا نرده، ولكنه بين مسلم وكافر؛ لأن هؤلاء كفار وليسوا مسلمين، وإنما حظر إذا كان بين مسلم ومسلم.
وأجابوا من وجه آخر فقالوا: إن حديث أبي سعيد رضي الله عنه خرج مخرج المداواة؛ لأن الرقية نوع من العلاج والتداوي، والعلاج والتداوي فيه شبهة الدنيا مع وجود القربة والطاعة، فصار مثل: داء المس، فيمكن أن يقع طاعة ويمكن أن يقع غير طاعة، فوسع فيه أكثر من غيره، فخففوا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه من هذا الوجه.