هذه هي السنة، لقوله عليه الصلاة والسلام:(من بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا وأنصت)، فقوله:(من بكر وابتكر) قالوا: بكّر على وزن (فعَّل)، وهذه الصيغة تدل على زيادة المبنى، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، قالوا: إن هذا يدل على تكلف البكور، والبكور في أول النهار، واختلف العلماء رحمة الله في التبكير للجمعة متى يكون؟ فمنهم من يرى أن التبكير للجمعة يكون من بعد الزوال، كما هو قول طائفة من فقهاء المدينة من السلف رحمة الله عليهم، وبه يقول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رحمة الله على الجميع.
والقول الثاني أن التبكير يكون من أول النهار، وهو مذهب الجمهور، فيمشي من بعد طلوع الشمس.
بل قال بعضهم: لو صلى الفجر وجلس كان أبلغ في التبكير، أي: لو أنه بعد صلاة الصبح، وبعد رجوعه إلى بيته وإصابته لطعامه خرج إلى مسجده، فهذا أبلغ ما يكون من البكور.
وإن كان الأقوى أنه بعد طلوع الشمس؛ لأن فيه الساعات الأول التي فيها الفضل، والتي سبق بيانها وأنه:(من خرج في الساعة الأولى كان كأنما قرب بدنة ... ) الحديث، فهذا الفضل لا يكون إلا للمبكر، وهو الذي يخرج في أول الساعات.
فالفضل يكون في البكور، ولأن البكور فيه مسارعة للخير ومسابقة إليه، والله سبحانه وتعالى ندب عباده إلى المسارعة والمسابقة إلى الخير، فقال سبحانه:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، وقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران:١٣٣]، فالذي يسارع إلى الجمعة يسارع إلى مغفرة من ربه، والذي يسابق إلى الجمعة يسابق إلى مغفرة من ربه، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض؛ لأن دافعه إلى ذلك رجاء رحمة الله، ورجاء عفوه ومغفرته ورضوانه، فالفضل في التبكير للجمعة، وأعظم الناس أجراً في الجمعة أبعدهم إليها ممشى، وأسبقهم إليها تبكيراً.