[المحظور الخامس: استخدام الطيب في الثوب أو البدن]
قوله: [وإن طيب بدنه أو ثوبه].
هذا هو المحظور الخامس وهو: الطيب.
والطيب حرمه الله على المحرم بالحج أو العمرة أو بهما معاً، والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: (ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)، فهذا الطيب في الثياب.
وكذلك أيضاً حرم الطيب في البدن فقال في المحرم الذي وقصته دابته: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه) وفي رواية: (ولا تمسوه بطيب)، فهذا طيب البدن.
قال العلماء: لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب في بدنه بعد إحرامه، لكن لو كان الطيب في بدنه قبل أن يحرم فلا بأس به، ولا يلزمه ما يلزم من تطيب بعد الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُرى أثر الطيب في رأسه وهو محرم، قالت أم المؤمنين رضي الله عنها: (لقد كنت أرى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، فدل على أنه إذا كان الطيب قد وضعه الإنسان قبل أن يغتسل لإحرامه، أو بعد أن يغتسل للإحرام وقبل أن يلبي ويدخل في النسك فلا حرج عليه، ولا تلزمه الفدية، ويبقى الطيب.
وهناك فرق بين استدامة الشيء وبين ابتداء وضعه، حيث تلزم الفدية في ابتداء الوضع ولا تلزم في الاستدامة، فلا يجوز له أن يتطيب في بدنه بعد أن يدخل في النسك ولا أن يتطيب في ثوبه، ولذلك ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر من الجعرانة بعد مرجعه من غزوه حنين، قال صفوان رضي الله عنه: (فجاءه أعرابي عليه جبة عليها الصفرة من أثر الطيب فقال: ما ترى يا رسول الله! في رجل أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يغط كغطيط البكر، ثم سري عنه، فقال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: انزع عنك جبتك -هذا لبس المخيط- واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)، فقال: (اغسل عنك أثر الطيب)، فدل على أنه لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب في ثوبه ولا بدنه، وهذا محل إجماع بين أهل العلم رحمهم الله.
[وإن طيب بدنه أو ثوبه].
يستوي أن يكون الطيب في البدن أو يكون في الثوب، ولكن لو أن إنساناً قبل الإحرام طيب بدنه وكان الطيب في إبطيه ثم اضطبع للطواف بالبيت، فصار طرف الرداء تحت إبطه، فربما أصابه الطيب، فإذا أصابه الطيب فحينئذٍ هذا الرداء إذا بقي عليه فإنه يستدام ويغتفر، لكن لو أنه نزعه لوضوء أو غسل ثم أراد أن يلبسه ثانية فلا بد أن يغسل عنه أثر الطيب في ثوبه.
ففرق بين أن يكون مستديماً متصلاً بالبدن وبين كونه يرد على البدن بعد الإزالة؛ لأن الحكم يستأنف بعد إزالة الرداء، فيكون كأنه لبس الرداء مطيباً، وعلى هذا فلا يجوز له أن يلبسه بعد أن يخلعه، لكن أن يكون معه وعلى بدنه وفيه أثر الطيب، فهذا لا حرج فيه.
أما لو أنه طيب لباس الإحرام قبل أن يلبسه فإنه لا يجوز له أن يلبسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس) قالوا: فنص على الزعفران والورس؛ لأنه كان موجوداً في زمانه، وهو دليل على أنه لا يجوز أن يضع المحرم الطيب في إحرامه قبل أن يحرم، لكن أن يعلق الطيب من بدنه في الإحرام فهذا من مغتفر، لأنه اتصل بالمغتفر، وما اتصل بالمغفرة كان آخذاً حكمه، فإن الثوب إذا اتصل بالبدن وما في البدن مغتفر كان آخذاً حكم البدن، وعلى هذا فيفرق بين أن يطيب ثوب الإحرام قبل أن يلبسه أو يطيبه بعد لبسه، وبين كون الطيب موجوداً في بدنه قد علقت رائحته بالإحرام، فهذا كله لا يؤثر.
والطيب يكون في البدن، ويكون في الثوب، ويكون بالشم، ويكون بالادهان، وهناك حالة خامسة وهي: أن يأكل الطيب أو يشربه، فالأشربة التي فيها طيب كماء الورد وماء الكاذي ونحوها، أو المشروبات الساخنة التي يكون فيها الزعفران، أو الأكل الذي فيه الزعفران أو فيه الريحان، فهل هذا آخذ حكم التطيب في البدن؟ هذا كله مما يبحث في مسائل الطيب، فبين رحمه الله طيب البدن والثوب، ثم شرع بعد ذلك في حكم الصورة الثالثة من التطيب وهي الادهان به.