[حكم قراءة الفاتحة للمأموم]
السؤال
إذا قرأ الإمام سورة الفاتحة، فهل يقرأ المأموم بعد الإمام، أم ينصت للإمام؟ وما الخلاف في هذه المسألة، وما الراجح؟
الجواب
للعلماء في المأموم إذا كان وراء الإمام أقوال في وجوب الفاتحة عليه: القول الأول، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمة الله عليه: الوجوب في جميع الصلاة، سواءٌ أكانت سرية أم جهرية، وهو مذهب الشافعية، وكذلك اختاره جمع من أهل الحديث، والظاهرية رحمة الله على الجميع، فهم يرون أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم والمنفرد والإمام، وأنك إذا صليت وراء الإمام في جهرية أو سرية يجب عليك قراءة الفاتحة.
القول الثاني: لا تجب على المأموم قراءة الفاتحة وراء الإمام مطلقاً، وهو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.
القول الثالث: تجب عليه في السرية دون الجهرية، كما هو موجود في مذهب المالكية، وكذلك بعض أصحاب الإمام أحمد يميل إليه، وقالوا: إذا جهر لا يقرأ، ولا تلزمه القراءة، وإذا أسر وجبت عليه القراءة.
وأصح هذه الأقوال والعلم عند الله القول بوجوب القراءة مطلقاً، وذلك لما يأتي: أولاً: لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج)، والقاعدة في الأصول أن (أيّ) من ألفاظ العموم، وما فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاتك إماماً أو مأموماً أو منفرداً، نافلة أو فريضةً، فالأصل في العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولا مخصص.
الدليل الثاني: أنه ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه استثنى الفاتحة في القراءة وراء الإمام حتى في الجهرية، فثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (صلى بالناس الصبح فسمع قارئاً يقرأ وراءه، فقال: إنكم تقرءون وراء إمامكم؟ قالوا: نعم.
قال عليه الصلاة والسلام: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فهذا نص، والذين قالوا بعدم القراءة قالوا: هذا منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث جابر: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، قالوا: فهذا يعتبر ناسخاً لحديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).
والجواب عن هذا القول من وجوه: أولاً: إنه لا يصح النسخ بالاحتمال، حيث لم يثبت دليل يدل على تأخر هذا الحديث عن الحديث الذي ذكرناه: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).
ثانياً: أن هذا الحديث ضعيف، وجماهير المحدثين على ضعفه، فلا يقوى على معارضة ما هو أصح منه.
ثالثاً: أن قوله: (فقراءة الإمام له قراءة) المراد به: القراءة التي بعد الفاتحة، فبالإجماع أنك إذا صليت وراء الإمام أنك تترك قراءته، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، ولذلك نهى الصحابي لما قرأ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] فقال: (مالي أنازعها)، فلذلك يفهم من هذا أن المراد بقوله: (فقراءة الإمام له قراءة) ما بعد الفاتحة.
وبناءً على هذا يترجح القول بوجوب القراءة مطلقاً، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
وقوله في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).
فهذه الأدلة تقوي مذهب من قال بأنه يقرأ في السرية والجهرية.
أما السؤال: متى يقرأ إذا كان وراءه، فإنَّ قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤] لا يعارض ما نحن فيه؛ فإن القاعدة: (العام يخصص إذا أمكن تخصيصه)، وقد جاءنا الحديث يقول: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فهذا مخصص، والقاعدة: (لا تعارض بين عامٍ وخاص).
فنقول قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف:٢٠٤] محمول على العموم إلا في الصلاة؛ لأنك مطالبٌ بالقراءة كما يقرأ إمامك، وبناءً على ذلك: فله قراءته وأنت لك قراءة، فلا يصح أن تترك الفرض للاستماع الذي هو دونه في الوجوب، حتى لو قلنا بوجوب استماع القرآن، فقد تعارض الفرض الذي هو ركن الصلاة والواجب، والقاعدة أنه إذا تعارض الفرض والركن مع الواجب يقدّم الفرض والركن على الواجب، فهذا وجهٌ.
الوجه الثاني: أن أبا هريرة رضي الله عنه -كما روى البيهقي عنه بسندٍ صحيح في جزء القراءة وراء الإمام- لما قيل له ذلك قال: (اقرأها في سرك)، وجاء عن بعض السلف: اقرأها في سكتات الإمام، فتقرؤها في سكتات الإمام كسكتته بين الفاتحة والسورة، أو سكتته قبل الركوع، فهذا الذي تميل إليه النفس.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.