[خطر الإسراف والتبذير في اللباس]
الأمور بين الإفراط والتفريط، وما أضر الضرر الذي نزل على المسلمين بهذا التهور الذي أغرق فيه النساء في الملبوسات، حتى أن الأموال لا ينتفع بها إلا أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت لهم قوة على دين الله وأولياء الله عز وجل، وكل هذا بسبب اللهث وراء الأشياء الزائفة التي ابتلي بها النساء، وأصبحت فتنة عظيمة على النساء وعلى الأمة جمعاء لوجود هذا البلاء، وهو الإغراق في الملبوسات، حتى إنه يبلغ من البطر وكفر النعمة أن المرأة تفصل ثوبها بعشرات الآلاف من الريالات ولا تلبسه إلا مرةً واحدة، فإذا ذهبت به إلى مناسبة لا يمكن أن تلبسه مرة ثانية حتى ولو في بيتها، ويقول بعضهن -كما نسمع من شكاوى الرجال الكثيرة: كيف ألبسه؟ وكيف يرى عليّ الثوب مرتين؟! أي: كيف تحضر مناسبتين بثوب واحد؟! وهذا والله كله من كُفر النعمة والإسراف والبذخ الذي بين الله تعالى في كتابه أنه يسلب صاحبه المحبة منه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١]، وغضب الله عز وجل على من ابتلي بهذا البلاء حتى أنه قرنه بأعدائه: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧]، وانظر تعبير القرآن بـ (إِنَّ)، وجاء بالاسم (الْمُبَذِّرِينَ)، (كَانُوا) التي تدل على صفة الدوام (إِخْوَانَ) فقرنهم بالشياطين نسأل الله السلامة والعافية.
ولذلك تجد المرأة التي تبتلى بهذا التبذير في كسوتها كأن الشيطان مستحكمٌ على قلبها، وتجد ولية الله المؤمنة التي تخاف الله وتراقبه وتخشاه تحاسب نفسها على اللباس ولا تبالي بمن ينظر إليها، ومع ذلك تجد من الطمأنينة في القلب وانشراح الصدر، والبركة في النفس والحال ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولكن الأخرى تجدها مفتونة من مناسبة إلى مناسبة ومن بلاء إلى بلاء، وتنفق مالها حسرةً عليها يوم القيامة -نسأل الله السلامة والعافية- فهو وبال عليها في الدنيا ووبال عليها في الآخرة.
وعلى كل امرأة أن تعلم أنها مهما لبست من جميل الثياب، أو بالغت في مطالبة الزوج وإرهاقه وظلمه بمطالبته بالأشياء التي هي زائدة عن حاجتها وزائدة عن حقها؛ فإن الله سبحانه وتعالى لا يبارك لها فيما لبست ولو كان من مالها؛ لأنه ليست القضية أن تضر بزوجها، فقد تقول قائلة: عندي راتبي أنفق منه، إذا كان عند المرأة راتبها فلتعلم أنها تفسد بنات المسلمين، ولتعلم أنها تفسد زوجات المسلمين؛ لأنها إذا لبست لباساً معيناً أغرت غيرها بهذا اللباس، ودعتهن إلى أن يشاكلنها، فتشاكلها أختها والتي قد تكون عند زوج ضعيف المال قليل المادة، وتشاكلها قريبتها أو بنت عمها أو بنت عمتها؛ لأنها في بيئة تتأثر برؤيتها، ثم قد تشاكلها المرأة الغريبة، فكل هذا مما جر على المسلمين من الضرر والبلاء ما لا يخفى.
فأولاً كثر إنفاق الأموال في غير طائل، ونزعت البركة من الأموال، ولو أن المرأة المؤمنة العاقلة نظرت إلى الخمسمائة ريال، فضلاً عن الألف، فضلاً عن العشرة آلاف، وفكرت أنها لو سدت بها ثغرة من ثغرات المسلمين سيكون لها من الرحمة والخير والبركة الشيء الكثير، فكم من صدقةٍ حجبت صاحبتها عن النار! فلا شك أن من توفيق الله عز وجل أن يوفق العبد لاغتنام هذه الأموال في مرضاة الله عز وجل، فعلى المرأة أن تعلم علم اليقين أن حقها على الزوج كسوة الصيف وكسوة الشتاء وما زاد على ذلك فليس بواجب.
وتبع هذا البلاء إنفاق الأموال، ثم تبعه الإغراق في مشاكلة أعداء المسلمين في لباسهم وهيئتهم حتى حصل بسبب ذلك البلاء من التبرج وخروج النساء ومخاطبتهن للرجال، حتى تخاطب المرأة الرجل بالساعات، وتأخذ معه وتعطي، وهي لو كانت من أتقى التقيات فلتعلم أن الرجل قد يكون به مرض وقد تكون به فتنة، وهذا كله فيه تعد لحدود الله عز وجل شعرت به المرأة أو لم تشعر، ولكن هي الدنيا بما فيها من فتنها وهواها، لا يستطيع الإنسان أن يعرف حقيقة ما فعل من معصية الله وانتهك من حدود الله إلا إذا ولج قبره: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:٢٢].
فإذا علمت المرأة أنها ستسأل عن كل ريال تنفقه، وعن كل ريال ترهق به زوجها وترهق به والديها، وأن الله سائلها عن ذلك كله؛ حاسبت نفسها قبل أن يحاسبها الله عز وجل، فهذا بلاء عظيم، ولا يمكن علاج هذا البلاء إلا بالصالحات القانتات، أن يكن قدوة قبل غيرهن، وأن يكن قدوة يتأثر بهن الغير؛ لأنهن إما قدوة في الخير أو الشر، فإذا وجد في المجتمع من لا يبالي بالقيل والقال ولا يبالي بالمظاهر، فعندها سيتغير كثير من الأخطاء ويصلح كثير من الفساد، وعلى كل حال، نسأل الله بعزته وجلاله أن يهدينا وأن يعصمنا وأن يزيل هذا البلاء عنا وعن المسلمين أجمعين.
فالذي للمرأة على زوجها كسوة الصيف وكسوة الشتاء، وما وراء ذلك ففضلٌ وليس بفرض، فيكسوها كسوة صيف وكسوة شتاء، ولكن لو أن المرأة ابتليت بهذا وهي صالحة ودينة، ونظر الزوج إلى أنه لو كان في كل مناسبة يلبسها فسيقع في الإسراف، وأنه لو ألبسها كسوة واحدة في الصيف أو كسوة في الشتاء أن هذا يحدث لها شيئاً من الضرر والحرج، وأحب أن يتسامح فالله يأجره، لكن يتسامح في حدود معقولة، ويكون هناك نوع من الالتزام حتى لا يكون فتنة للمرأة، فإن المرأة قد تفتن عن دينها، وقد تتضرر، وقد يتسلط عليها من لا خير فيهن.
وكان بعض الأخيار يقول: إنه تزوج امرأة رزقها الله عز وجل التعقل في نفقتها فكانت لا تلبس إلا ما يسترها في حدود معقولة ولا تبالغ في الزينة فسلمت من المجالس، وسلمت من الحفلات وسلمت من المناسبات؛ لأنها التزمت بالأصل، فما أنفقت ولا أسرفت، ولكن تجد الأخرى التي ابتليت بالإنفاق تحب الغير أن يرى ما عليها، وإذا أحبت المرأة أن يُرى ما عليها فتنها الشيطان، ففي المرة الأولى تحب أن تراها امرأة غيرها، ثم مرة ثانية تحب أن يراها الرجل والعياذ بالله، فتفتن في دينها نسأل الله السلامة والعافية، وربما فتنت فتنةً يكون لها بها شقاء لا سعادة بعده أبداً.
فعلى المرأة أن تتقي الله عز جل، وهذه ويلات يجر بعضها بعضاً، والله جل وعلا يقول: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:١٦٨]، فمسألة الإنفاق والكسوة والإغراق فيها على المرأة أن تفكر: أين يذهب هذا المال؟ ولمن يذهب؟ وكيف يفصل هذا الثوب؟ وتفصيل الثوب على أي نمط من أنماط الكفار تمجيدٌ للكافر شعرنا أو لم نشعر، وفيه إغراءٌ للغير أن يفعل هذا الفعل، وكل هذا له أضرار وتبعات، وعلى المسلمة أن تفكر في هذه العواقب، وأن تعلم أن الشر لا يقتصر على هذه التي لبست وإنما يتعدى إلى غيرها، فنسأل الله العظيم أن يصلح الأحوال، وأن يعيذنا ويعيذ المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.