الاستحاضة أصلها عرق؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سألته فاطمة عن استحاضتها قال عليه الصلاة والسلام:(إنما ذلك عرق)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام:(إنها ركضة من الشيطان) قال بعض العلماء: ركضة حقيقية، أي: أن الشيطان يركض ويضرب هذا الموضع ضرباً حقيقياً كالركض الذي يكون من الفارس أو من الرجل، وقال بعض العلماء: بل إنه ركض معنوي، بمعنى: أن الشيطان يتذرّع بجريان الدم مع المرأة على هذه الصورة، فيلبّس عليها صلاتها، ويدخلها في متاهة، فلا تدري أهي حائض فلا تصلي ولا تصوم، أو ليست بحائض فيجب عليها الصوم وتجب عليها الصلاة.
قالوا: فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الاستحاضة بكونها ركضة لمكان التلبيس الذي يكون من الشيطان.
هذا من جهة المعنى.
أما بالنسبة لحقيقة هذا العرق فقد وردت له أسماء، فالثابت في السنن أن اسمه: العاذل، وفي الرواية الثانية -كما أشار إليها ابن الأثير ورواها بعضهم-: العاذر، فالرواية الأولى باللام: العاذل، والرواية الثانية بالراء: العاذر، وذكر الإمام الحافظ العيني رحمه الله صاحب العمدة أن هناك اسماً له وهو: العادل، بالدال بدل الذال.
وهناك اسم رابع رواه الإمام أحمد في مسنده أنه: العاند، فهذه أربعة أسماء: العاذل، والعاذر، والعادل، والعاند.
قالوا: سمي عاذلاً: وليس على الحقيقة، فليس هناك عرق في الجسد اسمه: عاذل؛ والسبب في ذلك: أن بعض الفقهاء سأل بعض الأطباء عن عرق اسمه العاذل فلم يعرفوه، والواقع أن العلماء قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بكونه عاذلاً من العذل واللوم؛ لأنه يوجب عذل المرأة ولومها، وقيل: إنه يتسبب في العذل واللوم، لا أن اسمه: عرق العاذل.
وأما تسميته بالعادل؛ فالعادل عن الشيء هو الجائر عنه، تقول: عدلت عن الطريق إذا جرت عنه وحدت عنه؛ لأنه بخروج المرأة عن عادتها بالحيض ودخولها في الاستحاضة تكون عدلت عن الدم الطبيعي لها، وهو دم الجبلة والطبيعة والصحة -دم الحيض- إلى دم الفساد والعلة والمرض، فعدلت عن الأصل؛ لأن الأصل في الدم أن يجري معها على الصحة فجرى معها على سبيل المرض.
وأما العاذر قالوا: لأن المرأة تعذر بوجوده.
وأما العاند: فلمكان استمرار الدم كأنه عنيد، وكأنه كالممتنع والصعب على الإنسان.