قال رحمه الله:[وتسن في صحراء] أي: وتسن صلاة العيد في صحراء، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان له مصلىً، وهو في الموضع الذي يُسمى الآن بجامع الغمامة، وهو في غرب المسجد منحرفاً إلى الجنوب، فهذا هو مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صلى فيه العيدين، وصلى فيه الاستسقاء، فكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يخرج للعيد ولا يصليه في داخل المدينة؛ لما في الخروج من إظهار الفرح بهذا اليوم، وإظهار فضل الله عز وجل على العباد بخروج رجالهم ونسائهم وأطفالهم وكبارهم وصغارهم وأغنيائهم وفقرائهم، فهو أبلغ في شعور الناس بالعيد، بخلاف ما لو دخلوا المسجد الذي ألفوه في الجمعة وألفوه في صلواتهم الخمس، لكنهم عندما يخرجون إلى العراء وإلى الفضاء، فهذا أبلغ في شعورهم بهذا اليوم، فيصحبهم الشعور النفسي الذي يكون معه الشعور بفضل الله عز وجل واجتماع المسلمين، وإظهار عزة الإسلام باجتماعهم في هذا الموضع، مع ما فيه من بالغ القربة بتكلف الخروج إلى المصلى.
فكان هديه عليه الصلاة والسلام الخروج إلى المصلى، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فكانوا يخرجون إلى المصلى رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذه هي السنة، وهذا هو الأفضل.
واستثنى بعض العلماء أهل مكة، فقالوا: أهل مكة الأفضل لهم أن يصلوا في الحرم لفضل المضاعفة فيه، وللشرف العظيم الذي اختص الله عز وجل به أهل مكة في هذا المسجد وهذا القول من القوة بمكان، حيث لم يحفظ أن أهل مكة على زمان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كان لهم مصلى خارج مكة، أي: لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يصلون العيدين خارج مكة، لكن المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم.
ولو قلنا: إن السنة أن يخرجوا إلى المصلى فهنا مسائل: المسألة الأولى: لو صلوا داخل المدينة أو داخل المسجد، فهل تبطل صلاتهم؟
الجواب
بالإجماع صلاتهم صحيحة، أي: إذا صلوا داخل المساجد مع عدم وجود العذر، فبالإجماع صلاتهم صحيحة، لكن فاتهم الأفضل.
المسألة الثانية: يُشرع لهم أن يتركوا المصلى إذا وجد العذر، ولذلك ثبت عن أهل المدينة في عهد عثمان رضي الله عنه أنهم تركوا المصلى في يوم عيد كان فيه مطر، وصلوا بالمسجد؛ لأن المطر يجحف بالناس ويشق عليهم في الخروج، ولما فيه من التضرر، خاصة أن الإنسان يخرج بثياب عيده، فيكون فيه مشقة وحرج على الناس، مع ما في الطريق من الوحل، وقد جعل الله عز وجل وجود المطر رخصة في ترك الجماعة، ولذلك يقولون: إنهم يصلون داخل المساجد لما فيه من الرفق بهم.
والشافعية رحمة الله عليهم -ويوافقهم بعض أهل العلم- عندهم تفصيل، فيقولون: لا يُوضع ضابط معين، والأفضل الصلاة في الخلاء.
بمعنى: أن يكون هناك مصلى خارج المدينة، ولكن ينظر الإمام فإن وجد أن المصلى لو خرجوا إليه لحصل الضرر والمشقة الضيق على الناس صلى بهم في المسجد؛ لأنه أرفق بهم، ويكون هذا أشبه بالعذر.
ومثل هذا لو كان خروجهم إلى البراز فيه فتن وفيه أذية وضرر، خاصة إذا كثر السفهاء وحصلت الفتن، فلو احتيط بالمساجد لصيانة النساء وحفظهن فلا حرج في مثل هذا.
وعلى هذا يتخرج ما لو رأى الإمام فتناً دينية، أو وجد أن المصلحة أن يصلي في المسجد، فلا حرج عليه في عدم الخروج في هذه الحالة على هذا القول.