بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن عقد الإجارة يقوم على المنافع التي تتم المعاوضة عليها، وينبغي في هذه المنافع التي يتفق الطرفان على إجارتها أن تتوفر فيها جملة من الشروط، قصد الشارع من هذه الشروط المحافظة على حق المستأجر، بحيث يستأجر شيئاً يمكن حصول المقصود منه، فالمسلم إذا دفع ماله مستأجراً داراً من أجل أن يسكنها، فينبغي أن يكون على بينة من أمره، فيعرف الدار وصفاتها، وكذلك الأمور الذي يتوصل من خلالها إلى المنفعة الموجودة في تلك الدار المؤجرة.
أما إذا استأجر شيئاً لا يعرف حقيقته، أو يكون غير مملوك لمن أجره، أو يكون مما يتعذر أن يستوفي منه كالبعير الشارد والعبد الآبق، أو يكون ذلك الشيء من الأشياء التي لا توجد فيها المنفعة، كاستئجار المريض من أجل العمل، فإن الغالب على الظن أنه لا يستطيع أن يقوم بالعمل الذي اتفق عليه ونحو ذلك، وكاستئجار الأرض للزراعة إذا كان لا ماء فيها.
فكل الشروط الشرعية قصد منها المحافظة على حق المستأجر، وقصد منها العدل بين الطرفين، وأن يكون عقد الإجارة خالياً من الغش ومن أكل أموال الناس بالباطل وقد تقدم معنا في كتاب البيوع أن الشريعة تحافظ على حق الطرفين في المعاوضات، سواء كان في البيوع أو الإيجارات، فهذه جملة من الشروط ذكرها المصنف رحمه الله، كلها متعلقة بالمنفعة التي هي محل العقد.
وإذا قيل: يشترط في المنفعة.
معناه: أنه يشترط في محل العقد -أي: عقد الإجارة- لأننا قدمنا في تعريف الإجارة أن العقد بين الطرفين منصب على المنفعة، ففي الإجارة ينصب العقد على المنفعة: سكنى الدور، والأعمال والحرف كالحدادة والنجارة والسباكة، ونحو ذلك وكلها منافع يقصد منها أن يتحصل المستأجر على المصلحة التي يريدها من ذلك الشيء المستأجر.