للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما يقاد به في النفس يقاد به في الأطراف والجراحات]

قال رحمه الله تعالى: [من أُقيد بأحدٍ في النفس أُقيد به في الطرف والجراح].

هذه قاعدة في القصاص في الأطراف، وعلى هذا فلا بد من وجود -أولاً- العمد والعدوان، فلا نحكم بالقصاص على رَجُل قطع يَد رَجُلٍ إلا إذا كان القاطع قاصداً للجناية وقاصداً للإتلاف.

فلو أن شخصاً أغلق باب بيته ولم ينتبه لمن كان واقفاً، فقطع الباب يد رجلٍ، فهذا خطأٌ لا قصاص فيه؛ لأنه ليس هناك موجب القصاص وهو العمد العدوان، وقد تقدم معنا هذا، وبينّا متى تكون الجناية عمداً، ومتى تكون خطأً، ومتى تكون شبه عمد، وبينا الضوابط في هذا من خلال الأدلة النقلية والعقلية.

ولو جنى عليه جناية أضرت بالطرف أو منفعته، أو أوجبت جرحاً أو كسراً، فإننا لا نحكم بالقصاص إلا إذا كان الجاني مكلفاً، فلو أن مجنوناً أقدم على ضرب شخص فقطع رجله، أو قطع يده، أو فقأ عينه، أو قطع أذنه فلا قصاص؛ لأن المجنون غير مكلف، ولو أن صبياً اعتدى على بالغ فقطع رجله، أو قطع يده، فعمد الصبي والمجنون خطأ، وقد تقدم معنا هذا.

وكذلك يشترط أن يكون المجني عليه معصوماً، فإذا قطع المسلم يد المسلم عمداً عدواناً قُطعت يد الجاني، وإذا قطع أذنه قطعت أذنه، ولو أن كافراً قطع يد مسلم عمداً عدواناً قُطعت يده، ولو أن رقيقاً قطع يد الحر عمداً عدواناً قطعت يده، على تفصيل عند الفقهاء رحمهم الله.

فما تقدم معنا في شروط القصاص في النفس كذلك هو شرط في القصاص في الأطراف والجروح، فلابد من وجود العصمة للمجني عليه، ووجود التكليف في الجاني، وقصد العمد والعدوان في الجناية، وألا يكون المجني عليه بعضاً مثلما ذكرنا، وألا يوجد موجب لسقوط القصاص، وبناءً على ذلك: لو أن امرأة قطعت يد رجل قطعت يدها، ولو أن رجلاً قطع يد امرأة قطعت يده، ولو أن جماعة قطعوا يد رجل ظلماً وعدواناً، واشترك الجميع في فعل القطع قطعت أيديهم، لكن لو أن أحدهم قطع أصبعاً، والثاني قطع الأصبع الثاني، والثالث قطع الأصبع الثالث، والرابع والخامس.

قطعنا من كل واحد مثل الأصبع الذي قطعها.

إذاً: لابد من وجود الأصول التي قررناها في القصاص في النفس، واستيفاء الشروط المعتبرة للحكم بثبوت القصاص؛ لأن الله عز وحل شرع لعباده القصاص، وهذه الشرعية من الله سبحانه وتعالى جاءت بغاية العدل الذي تمت كلمة الله عز وجل به كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:١١٥].

فلا بد من تحقق هذه الأمور لكي نوجب القصاص في الجناية على الأطراف، مثلما قررنا في الأنفس كذلك نقرر في الأطراف.

قال رحمه الله: [ومن لا فلا].

أي: لو أن والداً قطع يد ولده، لم تقطع يد الوالد، كما أنه إذا قتله لم يُقتل به، على التفصيل الذي تقدم معنا، ولو أن مسلماً قطع يد كافر لم تقطع يد المسلم؛ لأن الذي قطعت يده ليس بمعصوم.

قال رحمه الله: [ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس].

أي: ولا يجب القصاص إلا بما يوجب القود في النفس، وقصده في الأول من جهة الأفراد، وفي الثاني من جهة الشروط، من وجود العصمة، وثبوت الجناية العمد العدوان، والمكافأة.

إلى غير ذلك مما ذكرناه في القصاص في النفس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>