عندنا مسألة شاعت وذاعت في هذا الزمن، وهي: أن يكون هناك مسجد وأوقفت منافع على هذا المسجد لمن يقوم بالإمامة أو بالأذان فيه، فلو كان هناك سكن تابع للمسجد، وهذا السكن وقف على الإمام فأراد أن يؤجره.
فالأصل يقتضي أن يسكنه الإمام، ومقصود صاحب المسجد أن ينال الأجر بوجود الإمام، وخاصة وأن وجود السكن بجوار المسجد مقصود؛ لأن هذا أدعى للمحافظة على الصلوات، وأدعى للقيام بحقوق المسجد، ومراقبته وتفقد مصالحه، وفي المساجد التي يكون الإمام فيها قريباً يعظم نفع هذا الإمام للناس، فيمكن سؤاله ويمكن الرجوع إليه، ويمكن استفتاؤه إذا كان من أهل العلم أو من طلبة العلم، فإذا خرج عن هذا السكن وأجره للغير، فهل يكون مالكاً للمنفعة بحيث يستحق أن يعاوض عليها؟ الذي اختاره جمع من العلماء وكان يفتي به جمع من مشايخنا وتطمئن إليه النفس: أنه ليس من حق الإمام أن يؤجر مسكنه، فإما أن يسكن فيه أو يمكن من هو أحوج إلى هذا السكن منه؛ لأنه وقف قصد به عين، لأنه بتأجيره يخرج الأجر، وكذلك يعطل المصالح التي قصدها صاحب المسجد؛ لأنه ببعد سكنه عن المسجد يفوت كثيراً من المصالح: من شهود الجماعة والمحافظة عليها ونحو ذلك من المصالح التي ذكرناها.
ولذلك فالذي تطمئن إليه النفس: أنه ليس بمالك للمنفعة، فهو موقوف عليه من باب الأجر إذا سكنه وارتفق به، فإن كان غير ساكن مكن غيره من طلاب العلم ومن يقوم مقامه أن يسكن هذا السكن، وأن يكون للميت حظه من الأجر، بدلاً من أن يؤجر ويعاوض؛ لأنه لا يملك عين المنفعة، وليس له حق التصرف فيها إلا أن ينتفع بها، فكأنها موهوبة لعينه، فلا يقيم غيره مكانه.
وعلى هذا يقال: إنه ليس من حقه أن يؤجر للغير وينتقل إلى سكن أوسع، وإنما عليه أن يبقى في هذا السكن ويرتفق به.