للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم مخالعة الرجل لزوجته بأكثر من المهر]

قال رحمه الله: [ويكره بأكثر مما أعطاها] أي: ويكره أن يُخالِع الرجل امرأته بأكثر مما أعطاها.

وقد اختلف علماء السلف رحمهم الله فيمن خالع امرأته بأكثر، وصورة المسألة: أن يدفع للمرأة صَدَاقاً عشرة آلاف، فيسألها عند الخلع أن تدفع له خمسة عشر ألفاً، أو يُخالعها بعشرين ألفاً، وكان قد دفع أقل منها، فهل يجوز ذلك أو لا يجوز؟ فذهب طائفةٌ من العلماء رحمهم الله إلى أنه لا يجوز أن يُخالع بأكثر مما دفع إليها، وهذا هو مذهب الجمهور رحمهم الله، واحتجوا بما ثبت في حديث جميلة رضي الله عنها أنها اشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تحب ثابتاً، وأنها أبغضته حينما رأت فيه دمامة الخِلقَة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُخرِجها من عصمته، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت: نعم وزيادة، قال: أما الزيادة فلا)، ولهذا الحديث شواهد منها المرسل الصحيح، وكذلك أيضاً جاء ما يعضده عند ابن ماجة رحمه الله في السنن، وفيه عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يزداد أي: نهاه أن يأخذ الزيادة على الفِدية.

قالوا: فهذا يدل على أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ أكثر مما أعطى في مهر المرأة؛ ولأن الخلع عوضٌ عن حق الزوج الذي دفعه، فتكون الفدية بقدر ذلك لا زيادة عليه.

وقال طائفةٌ من العلماء رحمهم الله: تجوز الزيادة ويجوز أن يُخالع بأكثر، واحتجوا بأن الأصل جواز المعاوضة، وقد قال الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:٢٢٩]، قالوا: فهذا يدل على أنها إذا افتدت بالقليل أو بالكثير فالأمر في ذلك سواء، ولا حرج عليها أن تفتدي بأكثر مما أعطاها.

والذين قالوا بالجواز -كما ذكرنا- مع قولهم بالجواز نَصُّوا على الكراهة.

ولذلك قال بعض أئمة السلف رحمهم الله: (هذا صنيع اللئام وليس بصنيع الكرام)، أي: اللئيم هو الذي يأخذ أكثر مما أعطى في مهر المرأة؛ لأنه نسِي المعروف ونسِي الفضل بينه وبين المرأة فيأخذ أكثر مما أعطاها، وليس بصنيع أهل الفضل ولا أهل الكرم، فليس هذا من شيمة الفضلاء.

والذي يظهر -والله أعلم- النهي عن الزيادة؛ لأن قوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:٢٢٩]، هو من جهة جواز الخُلع وإن كان مطلقاً لكن قيَّدته السنة بقوله عليه الصلاة والسلام: (أما الزيادة فلا).

وبناءً على ذلك فالذي تطمئن إليه النفس عدم جواز الزيادة على المدفوع، وأنه يتقيد الجواز بالقدر الذي دفعه ولا يزيد عليه، لأن في ذلك ظلماً للمرأة وتضييقاً عليها؛ فإنه لو فُتِح هذا الباب لتشارط الرجل ولربما سأل أكثر، مما يعجز المرأة وحينئذٍ يفوت مقصود الشرع من دفع الضرر عن المرأة، إذ لو أبحنا أن يأخذ الزيادة لقال لها: لا أُخالعك إلا على مائة ألف أو مائتين، ويكون قد دفع القليل، وتكون المرأة ضيقة الحال، ويعلم أنها لا تستطيع ذلك، وحينئذٍ يَفُوْت مقصود الشرع من جعل الخُلع على قدر المدفوع في مهر المرأة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>