للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهمية الصلاة في القرآن والسنة]

الصلاة عبادةٌ عظيمة مفروضة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي من أعظم شعائر الإسلام بعد الشهادة، ولذلك ثبت في الصحيحين من حديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه لليمن قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلة) أي أن الله أوجب عليهم هذه الصلوات الخمس، وفرضها عليهم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بيان وجوب الصلاة تابعاً لفرضية الشهادتين، ولذلك قال العلماء رحمهم الله: إن أهم ما يعتنى بالدعوة إليه، وأمر الناس به، وحثهم عليه، وحضهم على فعله هو الصلاة بعد الشهادتين، فهي أهم المهمات بعدها، وآكد الفرائض والواجبات بعد قول: (لا إله إلا الله)، شهادة التوحيد، وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم عمود الإسلام، ومن المعلوم أن العمود إذا سَقط سقط ما بُني عليه، وهذا يدل دلالة عظيمة على فضل هذا الركن العظيم وعظيم شأنه.

وثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: (أنها آخر ما يفقد الناس من دينهم) وأنه إذا فقدت الصلاة فقد ذهب الدين، وثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره: (أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة، فإن صلحت نظر في بقية عمله، وإن كان لها مضيعاً فإنه لما سواها أضيع).

فهذه الصلاة فرضها الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وورد ذكرها في القرآن في أكثر من موضع، يأمر الله بها تارة، وتارةً يرغب فيها، وتارةً يبين فضل أهلها ويثني عليهم، ويبين عواقبهم من دخول الجنة وحصول رضوان الله تعالى عليهم بفعلها.

وقد أمر الله بها عموماً فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] وأمر بها خصوصاً فقال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [العنكبوت:٤٥].

وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطابٌ لأمته، وأمر سبحانه أن تؤمر بها الذرية والأبناء والأهل والأزواج والزوجات، فقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] وأخبر سبحانه وتعالى عن فضل أهلها الآمرين بها، فأثنى على نبيه إسماعيل فقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:٥٤ - ٥٥] قال بعض العلماء في قوله تعالى: (وكان عند ربه مرضياً) أي: بأمره لأهله بالصلاة؛ لأنه أمرهم بأعظم شعائر الدين وأجلّها عند الله عز وجل.

وأجمع المسلمون على وجوب الصلاة وفرضيتها، وأنها ركنٌ من أركان الإسلام؛ لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة)، فأجمعوا على أنها ركنٌ من أركان الإسلام، وأنه لو جحد إنسانٌ وجوبها كفر، إلا أن يكون جاهلاً فيعلم، كما سيأتي إن شاء الله بيانه للمصنف رحمه الله.

ولما كان من عادة العلماء رحمهم الله أن يقولوا: (كتاب الصلاة)، والمقصود بهذا الكتاب بيان الأحكام والمسائل المتعلقة بعبادة الصلاة، استلزم ذلك بيان ما يشترط لصحة الصلاة من الوقت واستقبال القبلة، ففي المواقيت يتكلمون عن أفراد المواقيت، أعني: مواقيت الصلوات الخمس، وفي استقبال القبلة يتكلمون عن مسائل استقبال القبلة، ومتى يسقط هذا الواجب -كما هو الحال في السفر- ويقوم على الاجتهاد والظن؛ لثبوت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يتكلمون على ستر العورة وأخذ الزينة، وما يتبع ذلك من مباحث، كصلاة العراة ونحوهم.

ثم يتكلمون في الصلاة على صفتها، ويتضمن ذلك بيان الأركان والواجبات والسنن التي هي من هيئات الصلاة، فيبدأون ببيان أركانها التي فرضها الله عز وجل، وإذا لم يقم المكلف بها فلا تصح صلاته.

ثم بيان الواجبات التي إذا فعلها أثيب، وإذا تركها عوقب وأثم ولا يحكم ببطلان صلاته إلا إذا تركها متعمداً، فهي أخف مرتبةً من الأركان، ثم السنن التي يرغب في فعلها ولا حرج في تركها.

ثم بعد ذلك يتكلمون على ما يطرأ على الصلاة، كما هو الحال في باب سجود السهو، فيتكلمون على حال المكلف إذا أخلّ بالأركان أو بالواجبات أو السنن، ثم يتكلمون على أفراد الصلاة الواجبة، ثم المسنونة التي لا تجب على الأعيان وقد تجب على الكفاية، فيتكلمون على صلاة الجمعة وصفتها وشروطها وما يلزم لها، ثم يتكلمون على الصلوات النوافل التي تشترط لها الجماعة، كصلاة التراويح وصلاة العيدين على القول بأنها سنة مؤكدة، وما يتبع ذلك من صلاة الاستسقاء ونحوها.

ثم يتكلمون على مطلق النوافل بصلاة التطوع، فيذكرون المباحث المتعلقة بالسنن الراتبة والوتر -على القول بعدم وجوبه- فهذه المباحث كلها متشعبة ومتعددة، فمن العلماء من يختصر، ومنهم من يسهب، ونظراً إلى تعددها حتى في المختصرات فإن من عادة العلماء أن يقولوا: (كتاب الصلاة) دون قولهم: (باب الصلاة)؛ لسعة هذا المبحث، وكثرة مسائله، وتشعب أحكامه.

وقد ذكر المصنف رحمه الله كتاب الصلاة عقب كتاب الطهارة، والمناسبة في هذا لطيفة، وهي أن الطهارة وسيلةٌ إلى الصلاة، وقد أمر الله عز وجل بالطهارة قبل الصلاة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦]، فمن المناسب أن يتكلم على الوسائل قبل الكلام على المقاصد، ولذلك أتبع المصنف رحمه الله كتاب الطهارة بكتاب الصلاة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>