[نصيحة للنساء في عدم الإسراف في الملابس]
ولذلك محق الله بركة الأموال، وأصبح كثير من النساء يجدن الضيق والعنت بسبب أنهن ضيقن على أنفسهن، ولربما أدخلن أزواجهن في الديون وأرهقن كاهل الزوج فيما لا طائل تحته، فالمرأة تتقي الله عز وجل، وتعلم أن حقها عند زوجها كسوة صيفها وشتائها، وأنه إذا كساها على هذا الوجه بالمعروف فقد أدى ما أوجب الله عليه.
وأما ما وراء ذلك من شراء الملبوسات والمبالغة فيها، حتى إن المرأة كلما جدت لها مناسبة اشترت ثوباً، حتى بلغ ببعضهن أن تقسم أنها لن تلبس فستاناً مرتين، وتقول: كيف أحضر زواج فلانة بما لبسته في زواج فلانة؟!! وكم من أمور يراها الناس أدق وأقل من الخردلة في أعينهم، وهي عند الله عظيمة كأمثال الجبال.
وإن العبد ليصنع الأمر اليسير فيوجب مقت الله له وهو لا يدري، ولذلك أخبر الله عن شؤم عاقبة هذا الأمر وهو الإنفاق بالإسراف والبذخ، وتوعد الله سبحانه وتعالى أهله بوعيد شديد، حيث قال: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:١٤١] فمن أعظم البلاء وأعظم الشؤم على المرأة التي لا تتقي الله عز وجل -حتى ولو كان عندها راتب ولو كان عندها مال- كلما حضرت مناسبة اشترت ذهباً وفستاناً ولباساً، وأخذت تتباهى بما تلبسه في كل مناسبة وكل سبب، ولا تلبس لباسها مرتين بل تحاول أن تجدد لباسها، وهذا كله عواقبه وخيمة، وإذا كانت امرأة صالحة وقدوة للغير فالأمر فيه أشد وأعظم.
وينبغي على الصالحات أن يكن قدوة لغيرهن، فإذا كان غيرهن يسرف فعليهن أن يتقين الله عز وجل، وكم من أمور في المجتمعات تصلح بصلاح الصالحات حينما تتمسك الصالحة بشرع الله عز وجل، وترى أن هذا المال بدل أن تنفقه فيذهب في كسوة ربما تأتي من أعداء الله ورسوله، ويذهب المال لهم بالملايين، ترى أنها لو أنفقته وكست به عارية، أو أطعمت به جائعة، واقتحمت العقبة، ونالت مرضاة الله عز وجل بإطعام ذي المسغبة، لفازت فوزاً عظيماً.
وكم من امرأة لم تبال بهذه الأمور والترّهات جعل الله لها من المحبة والقبول والعزة والكرامة، فلم يتق عبد ولم تتق أمة ربها إلا جعل الله لها من أمرها يسراً وجعل العاقبة لها؛ لأن الله يقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨]، خصوصاً إذا كانت ملتزمة، وخصوصاً إذا كانت طالبة علم، فإذا كانت تشهد كل درس وكل محاضرة وكل مناسبة بلباس جديد، وتبالغ في ملبسها وتبالغ في هيئتها، فلتعلم أنها تكون قدوة للغير، وكم من امرأة تجر بلاء على غيرها من حيث لا تشعر، فقد تكون جارة لامرأة ضعيفة أو زوجها فقير، فإذا أخذت تفعل هذه الأفعال ربما دعت الزوجة أن تتنكب على زوجها، وأن تحمله ما لا يطيق، أو تفسد عليه فراشه.
ولذلك كان على النساء المؤمنات أن يتقين الله عز وجل، وأن يخفن الله سبحانه وتعالى، خاصة في أمور الكسوة والمبالغة فيها؛ لأن كثيراً من عائداتها تذهب إلى من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولو أن المرأة علمت أن الدرهم بل الريال الواحد قد يكفّ الله به نار جهنم عن عبده، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فشق تمرة يحجب العبد عن نار الله عز وجل؛ فما بالك إذا كان المال الغزير! هذا عثمان رضي الله عنه لما صب الذهب والفضة في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلّب عليه الصلاة والسلام ماله وقال: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، فما بالك بالمرأة الصالحة الدينة، التي تشح بمالها ومال زوجها أن تنفقه فيما لا طائل له ولا نفع، والله إن الناس لا ينظرون إلى الجمال، ولو نظروا إليه فإنه متاع حائل وظل زائل، ولكن إذا سمت المرأة المؤمنة بأخلاقها وآدابها وسلوكها، واستقامت على طاعة ربها، وكان بينها وبين الله سريرة صالحة نقية تقية، زكاها الله عز وجل، وأبقى في النساء محبتها وإجلالها.
وكم من امرأة تراها النساء ويجتمعن بها وهي تملأ قلوبهن محبة وإجلالاً لم ينظرن يوماً من الأيام ماذا لبست وماذا تركت؛ لأن المحبة في القلوب، والمحبة محبة المبادئ والأخلاق والقيم، وأنت ترى الرجل ربما تراه أشلّ، وربما تراه دميم الخلقة، ولربما تراه بحالة بائسة، ومع ذلك قد تحبه أكثر من أخيك، بسبب أخلاقه وتصرفاته وأدبه واحترامه للناس وإلفه في تواضعه وما يكون من شمائله وخلاله، فليس السمو والكرامة والعلو بهذه الملبوسات، ولتسأل المرأة نفسها: كم وقفت؟ وكم أخذت؟ وكم أعطت؟ وما زادها هذا اللباس؟! وكم من كاسٍ في الدنيا عار في الآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم: (رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).
فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل، وأن تعلم أن هذا قد جرّ على الأمة بلاء عظيماً، حينما أصبحت المرأة تتبرج من سوق إلى سوق، ومن مكان إلى مكان، بحجة أنها محتاجة إلى الكسوة، وكلما طرأت مناسبة تذهب لكي تشتري لها كسوة، وخير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، خير للرجال أن لا يروا المرأة، وأن لا يحتكوا بالمرأة، واليوم أصبحت المرأة خرّاجة ولّاجة كل يوم، وفي كل مناسبة تجدد ملابسها وتعدّ إلى أن تتعب من المناسبات واللقاءات، وكلما جاءت مناسبة أخذت تفكر ماذا تلبس لهذه المناسبة، ولكنها لو اتقت ربها وخافت من الله سبحانه وتعالى، خاصة إذا كانت طالبة علم، وخاصة إذا كانت قدوة داعية فعليها أن تتقي الله عز وجل، وأن تترسم المنهج السوي.
وليس المراد أن تتبذل وتذهب جمال الإسلام وجلاله، ولكن المراد العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فتتطيب وتتزين في الحدود الشرعية، وتتجمل لأخواتها، والإسلام لا يمنع من هذا، ولكن يمنع من الغلو والإسراف المبالغ فيه، وكم من أشياء تجدها في أوقاتها جميلة جليلة، ولكن بمجرد أن تزول يذهب وقتها تزول بزواله، ولذلك يذهب عقل المرأة وراء هذه الأشياء التي لا تجني منها خيراً، ولربما تجني منها سخط الله وغضبه، فتجدها اليوم تصيح على هذا اللباس أنه أفضل الموجودات، وأنها محتاجة إليه، حتى تقنع زوجها بشرائه.
فإذا لبست وذهبت به في المناسبة، ومضى يوم أو يومان، فإذا بها في اليوم الثالث تأتي وتقول له: هذا لا يصلح.
سبحان الله! بالأمس كان أفضل اللباس، وبالأمس كان أطيب اللباس، وبالأمس كان هو الذي لا يمكن أن يستغنى عنه، لكن بمجرد أن يمضي اليوم واليومان كأنه لا شيء!! وهذا ليس في اللباس فحسب، بل حتى في متاع البيت، إذا جاء العيد، أو جاءت المناسبة، أقامت الدنيا وأقعدتها من أجل أشياء معينة، ومظاهر معينة، وأنفقت الألوف، وذهبت أموال المسلمين ومحقت بركتها، لكن لو أن أمة الله عز وجل اتقت الله عز وجل زال كل هذا، فأكثر هذا البلاء جاء من المرأة، ونحن لا نتهجم على المرأة ولكن نقيم الأمر في نصابه، فالمرأة هي التي تحكم زوجها وتستطيع أن تقول: لا أريد، وهذا شيء طيب! وكم من امرأة صالحة منعت زوجها من الإسراف في البذخ، وكم من امرأة حفظت مالها فبارك الله لها ولزوجها ولأولادها، فهذه أمور ينبغي للمرأة أن تنتبه لها، وبالأخص طالبات العلم، وبالأخص النساء الصالحات؛ لأنهن قدوة لغيرهن، فعليها أن تحمد الله عز وجل على العافية، ولذلك يقول تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١] خاطب الله عز وجل عباده قال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١] ما حرم الطيبات ولا منع منها {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [الأعراف:٣١] فجمع جميع أصول النفقة: الكسوة والأكل والشرب، ثم قال بعد ذلك: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١] ثم انظر التأكيد بـ (إنَّ) وقوله: (لا يُحِبُّ) نفي للمحبة، والعبد يصوم نهاره ويقوم ليله، وهذا كله من أجل أنه يبحث عن محبة الله عز وجل، في صلاته وزكاته، وإذا بهذه المحبة تزول عند الإسراف، نسأل الله السلامة والعافية.
ولذلك ينبغي على المرأة أن تحاسب نفسها في هذا الأمر، وأن تتقي الله عز وجل في نفسها، فليس لها من نفقة الكسوة إلا كسوة الصيف وكسوة الشتاء، كما هو مقرر عند أئمة الإسلام رحمهم الله.