[ذكر ما يستثنى منه الحول في إخراج الزكاة]
قال المصنف رحمه الله: [ومضي الحول في غير معشّر إلا نتاج السائمة وربح التجارة ولو لم يبلغ نصاباً، فإن حولهما حول أصليهما إن كان نصاباً وإلا فمن كماله].
ذكر المصنف رحمه الله جملة من الشروط التي ينبغي توفرها للحكم بوجوب الزكاة، فإذا وجدت هذه الشروط فإن المكلف ملزمٌ بالزكاة، وإذا تخلفت هذه الشروط أو واحد منها، فإنها لا تجب، فما زال رحمه الله يبين لنا هذه الشروط، وكانت خاتمتها اشتراط الحول، وقد تقدم الكلام على هذا الشرط، وقد بيّنا أن إجماع العلماء رحمهم الله على أن الحول معتبر لوجوب الزكاة، ويستثنى من ذلك المعشّر؛ وهو الذي أوجب الله فيه العشر، والمعشّرات هي الزروع والثمار، والدليل على هذا الاستثناء أن الله سبحانه وتعالى قال في زكاة الزروع والثمار: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، ومن هنا نفهم أن من الأموال التي تجب فيها الزكاة ما يشترط فيه الحول كالذهب والفضة، ومنها ما لا يشترط فيه الحول كالزروع والثمار، فلو أن إنساناً زرع شعيراً، ثم كان القدر الذي استحصده منه بالغاً خمسة أوسق، فإننا نوجب عليه الزكاة إذا حصده وضمّه إلى البيدر، مع أنه لم يمض العام الكامل عليه، ولذلك يقال: إن هذا النوع من الأموال لا يشترط فيه حولان الحول، وحولان الحول أصل لكن له مستثنيات، منها ما ذكر المصنف رحمه الله.
قوله: (إلا نتاج السائمة) ذكرنا أن النتاج: هو ما يكون من نتاج بهيمة الأنعام -وهو صغارها- فلو أن إنساناً ملك مائة وعشرين شاةً، فإن الله أوجب عليه فيها شاة واحدة، ولا يجب عليه أكثر منها، فلو فرضنا أنه طيلة العام كانت عنده مائة وعشرون شاةً، فلما كانت ليلة الساعي ولدت إحداهن شاةً، فأصبح الذي عنده مائة وإحدى وعشرين شاة، ففيها شاتان، ولا نقول: إنه يجب أو يشترط أن يحول الحول على هذا النتاج الذي لم يبلغ السنة الكاملة، وبناءً على ذلك نقول: إن نتاج السائمة لا يشترط فيه حولان الحول.
أما لو اشترى غنماً وضمها إلى الغنم الأولى، فقال بعض العلماء: إنه يستأنف لهذه الغنم الجديدة الحول، ومنهم من يقول: إنها مضمومة إلى رأس ماله، ولهذا القول من الوجاهة قوة.
قوله: (وربح التجارة).
فلو كانت عند الإنسان مائة ألف اشترى بها تجارة من قماش أو غذاء أو غير ذلك، وعرضها للبيع، فإن هذه المائة الألف التي دخل بها للتجارة، إذا مضى الحول عليها فإنها تزكّى؛ فيجمع ما في الدكان أو البقالة أو المتجر ثم بعد ذلك يقدره بقيمته يوم تمام حوله ويخرج زكاة القيمة؛ فلو فرضنا أن هذه المائة ألف قامت على تجارة أكسية اشترى بها القماش، وما زال يبتاع ويشتري في هذا القماش، إذا برأس ماله الذي هو المائة ألف قد أصبح مائة وعشرين، فعنده نتاج وهو ربح لرأس المال وهو العشرون ألفاً؛ فإذا حال الحول فإنه يجمع المال كله فيؤدي زكاة مائة وعشرين، مع أن المائة والعشرين: منها ما حال عليه الحول وهو المائة ألف، ومنها ما لم يحل عليه الحول وهو العشرون التي تعتبر ربحاً للمائة، فهذا الربح لم يحل عليه الحول، ولكن الفرع تابع لأصله، فأصبح تابعاً لذلك الأصل الذي أنميته بالتجارة، فصارا كالشيء الواحد، وتزكيه زكاة واحدة.
بناءً على هذا يقول الفقهاء: يشترط حولان الحول في المال الذي تجب فيه الزكاة إلا إذا كان ربح تجارة، فاستثنوا المعشّرات ونتاج السائمة وربح التجارة.
فلو سألك تاجر وقال: قد ملكت كذا وكذا ألفاً وتاجرت بها السنة كاملة، وقبل نهاية السنة بيوم أو بأسبوع أو بشهر ربحت مثلها؛ فأصبحت المائة مائتين أو أصبحت العشرة عشرين، فهل في هذه الحالة يجب عليَّ زكاة الأصل وهو العشرة آلاف أو المائة ألف- أو زكاة الجميع؛ أعني مع ما حصل عليه من الربح؟ فالجواب أن تقول: عليك زكاة رأس مالك وكذلك نتاج رأس المال وهو الربح؛ لأنه تابع للأصل.
هذا هو مراده رحمة الله عليه، وعليه نقول: إنه يجب على الإنسان أن يراعي الحول في ماله الذي وجبت فيه الزكاة إلا إذا كان من المعشّرات أو نتاج سائمة أو ربح تجارة.
وقوله: (ولو لم يبلغ نصاباً).
ربح التجارة في بعض الأحيان قد يبلغ النصاب، وأحياناً أخرى لا يبلغ النصاب، فلو أنه ربح مع المائة ألف مائة ألف أخرى، فقد بلغت النصاب قطعاً، ولو ربح خمسين ريالاً فإنها دون النصاب، فحينئذٍ نقول: ربحك لما بلغ النصاب ولما دون النصاب الحكم فيه سواء فتضمه إلى أصله، وتطرد القاعدة أن الفرع تابع لأصله، فزكاة الأرباح زكاة رءوس أموالها، ويستوي في ذلك أن تكون بالغة النصاب أو دون النصاب.
قال المصنف رحمه الله: [فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصاباً وإلا فمن كماله].
قوله: (فإن حولهما) يعني: حول الربح حول رأس ماله، فحينئذٍ تعتبر حولهما واحداً، فلو دخلت في التجارة من بداية محرم واكتسبت الربح في شوال مثلاً أو في رمضان، فإنك حينئذٍ تعتبر هذا الربح الطارئ في رمضان تابعاً لرأس المال الذي هو في محرم، ولا تقول: إنه ينبغي أن أستقبل به رمضاناً قادماً؛ لأنه في هذه الحالة يعتبر تابعاً للأصل.
وقوله: (وإلا فمن كماله) هذا الحكم الذي ذكرناه وهو كونك تتبع الربح لرأس المال يكون شرطه أن يكون رأس المال قد بلغ النصاب، فلو كانت عندك خمسون ريالاً، وهذه الخمسون دون النصاب المعتبر كما سنبينه إن شاء الله في زكاة النقدين، لكنك دخلت بها في التجارة، فما زلت تربح حتى بلغت النصاب، مثلاً ثلاثةً وخمسين أو أربعةً وخمسين على جبر الكسر الذي فوق الثلاثة وخمسين، فإذا بلغت أربعةً وخمسين في ربيع، فإن حولها من ربيع، وحينئذٍ يكون هذا الزائد وهو الثلاثة أو الأربعة التي بلغ بها النصاب هو بداية الحول، وحينئذٍ تعتبر حولهما واحداً وتضمهما لتزكيهما زكاة مال واحد.