قوله:(مع الحق وبعده) أي: يصح رهن كل شيءٍ يجوز بيعه مع الحق الذي هو الدين، أو بعده.
والعلماء رحمهم الله يذكرون صوراً للرهن: فهناك صورة للرهن قبل الدين، وصورة للرهن مع الدين، وصورة للرهن بعد الدين، هذه ثلاث صور، والقسمة العقلية تقتضيها: فإما أن يعطيه الرهن قبل الدين، وإما أن يعطيه الرهن أثناء الدين، وإما أن يعطيه الرهن بعد أن يستدين منه.
فأما الصورة الأولى -نبدأ بها لأنها هي الأصل والمشهورة-: فهي أن يكون الرهن مصاحباً للدين، كأن تقول لرجل: إني بحاجة إلى مائة ألف ديناً إلى نهاية السنة، وأعطيك سيارتي رهناً إلى أن أسددك.
فإن رهنك للسيارة وقع مصاحباً لطلبك للدين، فحينئذٍ إذا أعطاك الدين أعطيته السيارة، فالرهن وقع مصاحباً للحق، وهذا بالإجماع جائز ومشروع.
أما الصورة الثانية: فهي أن يكون الرهن بعد الدين، كما لو تأخر وتراخى، فقال له مثلاً: هذه مائة ألف، فقال: بعد يوم أو يومين: لقد أعطيتني مائة ألف، وهذه مفاتيح سيارتي أو عمارتي وهي رهن لسداد دينك عند العجز، وقد صح ذلك.
أما الصورة الثالثة: وهي أن يكون الرهن قبل الدين، فمن أمثلتها قالوا: إذا كانت لك سيارة عند محمد، وقلت: يا محمد! خذ هذه السيارة أمانة عندك، فأخذها محمد أمانة عنده، ثم احتجت إلى مالٍ من محمد، فجئته وقلت له: ديّنِّي مائة ألف، فأعطاك المائة ألف وقال: بماذا تضمن لي حقي؟ فتقول له: السيارة التي عندك، أجعلها رهناً واستيثاقاً للدين.
قال بعض العلماء: إن هذا جائز، وتنتقل اليد من يد الإيداع إلى يد الرهن، وذلك بمجرد الإيجاب والقبول، فتصبح رهناً بعد أن كانت وديعة، ولا يشترط التقابض مرة ثانية لإلغاء اليد الأولى.
وسيأتي هذا في باب الضمان، وهو الانتقال من يد الأمانة إلى يد الضمان، وفيه تفصيل عند بعض العلماء رحمهم الله، لكن قالوا: إن هذا يجوز، وشدّد فيه بعض العلماء، كما درج عليه المصنف رحمه الله وقالوا: إنه لا يجوز سبق الرهن للدين، وفي بعض الصور يقوى مذهب المصنف، وخاصة في الصور التي فيها غرر أو فيها جهالة، ولكن إذا كان الأمر أقل غرراً، أو كان الغرر يسيراً، فإنه يصح أن يُقدِّم الرهن على الدين.