[حالات المعالجة بالوعظ والهجر]
قال رحمه الله تعالى: [فإذا ظهر منها من أماراته، بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع، أو تجيبه متبرمة أو متكرهة، وعظها، فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثة أيام، فإن أصرت ضربها غير مبرح] قوله رحمه الله تعالى: [فإن ظهر منها] أي: من الزوجة.
[من أماراته] جمع أمارة، وهي العلامة، والضمير في (أماراته) عائد إلى النشوز.
[بأن لا تجيبه] أي: إذا دعاها إلى فراشه، أو كانت تجيبه من أول نداء، فأصبحت تجيبه من الثاني، أو الثالث، وربما تأخرت إلى الرابع، وإن شاءت إلى الخامس، فهذه كلها أمارات على النشوز؛ لأنها كانت تجيبه من أول نداء فأصبحت لا تجيبه إلا بعد رأي يدل بوضوح على أنها تنوي نية النشوز، وأنها تسترسل من هذا إلى ما وراءه، فينطبق عليها قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:٣٤] فيشرع الوعظ.
وقوله: [أو تجيبه متبرمة] أي: تفعل ما يدل على عدم الطاعة ويظهر ذلك من وجهها وفعلها، كأن يقول لها: ائتيني بالكتاب أو ائتيني بالصحن، أو ائتيني بالطعام، فتأتي وتضع الطعام بقوة بين يديه، أو تضع الشيء بين يديه بقوة، فهذا واضح -جداً- على أنها لا تريد طاعة.
وقوله: [أو متكرهة] بمعنى: أن تظهر عليها أمارت الكره، مثل ما ذكرنا من عبوس الوجه، وكذلك أيضاً التأفف، والتأوه، والتضجر.
ويذكر العلماء هذه الأمثلة، لأنك تحتاج إلى ذلك في الفتوى، وتحتاجه في القضاء، فالشخص إذا جاءك وقال: إنه يحصل كذا وكذا، فإنك تبحث عن الأمارات، وتسأل عما يكون من المرأة، حتى تستطيع أن تعطي كل حالة حكمها، وهذا -كما ذكرنا- لأن المتون الفقهية يعتني فيها العلماء رحمهم الله بهذه المسائل إعانة على الفتوى وإعانة على القضاء.
وقوله: [وعظها] من الموعظة، وهي الكلمات المؤثرة، والموعظة تكون بالقرآن، كأن يتلو عليها آيات من كتاب الله عز وجل، أو أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك فرق في مقاصد الوعظ، فإذا وعظت لله فإنها موعظة ومؤثرة، وإذا وعظت لحظ نفسك فإنها موعظة لكنها لا تؤثر؛ لأنها موعظة الظاهر، وأنت في الباطن لا تريد إلا حظ نفسك، ولذلك تجد الرجل يرى أخاه، أو قريبه على المنكر فيقول له: يا أخي! اتقِ الله، إني أخاف عليك النار، ويتذكر أنه أخوه، ويخشى أن يُفرَّق بينهما في الآخرة، وكأنه يراه في عرصات يوم القيامة وقد افترقا، فيخاف عليه خوفاً شديداً، فتجده يدعوه إلى الله تعالى بصدق فتقع الكلمات في قلبه فيهتدي.
وتجد آخر يأتي ويقول له: يا أخي فضحتنا، وشهرت بنا، وفعلت وفعلت، فقد فضحت بيتنا وفضحت أسرتنا فانتقل من الوعظ إلى حظ نفسه وأهله وبيته، فلا يبارك الله في قوله، فنصحه لأخيه ليس من باب الهداية، وإنما من باب أنه فُضح وأنه اشتهر، فتكون عاطفة الدنيا أكثر من عاطفة الدين، فالذي يعظ المرأة لا ينبغي له أن يعظها لحظ نفسه، إنما يعظها خوفاً عليها من النار؛ لأن الله أمره أن يقي نفسه وأهله وزوجه من النار، فيقول لها: اتقي الله، فإني أخاف عليكِ من النار، وأخاف عليكِ من عقوبة الله، وأخاف أن ينزل الله بكِ بلاءً، وهذا لا يجوز، أما حقي فأنا أصبر عليه، فإذا شعرت أنه يذكرها بالله، أو علم الله من قرارة قلبه الإخلاص فإن وعظه يؤثر بإذن الله تبارك وتعالى.
قوله: [فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء] أي: بما فيه المصلحة.
وقوله: [وفي الكلام ثلاثة أيام] أي: إذا هجرها في الكلام فلا يزد على ثلاثة أيام، ففرق بين القول والفعل، فلا يجوز في هجر القول أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، فلا يجوز الهجر فوق ثلاثة أيام.
وقوله: [فإن أصرت ضربها غير مبرح] فإن أصرت على النشوز ضربها غير مبرح، أي: ضرباً غسير مبرح كما ذكرنا.