[دور العلماء والخطباء في مواجهة أعداء الإسلام]
السؤال
تعلمون حفظكم الله أن هذه البلاد تتعرض في هذه الآونة الأخيرة إلى أذية وتشويش من أعداء الإسلام باسم حقوق الإنسان، فما هو دور الدعاة والخطباء وطلاب العلم، ودورنا في مواجهة هذا الحقد والدفاع عن هذا البلد المبارك وولاة أمره حفظهم الله، الذين نذروا أنفسهم لتطبيق الشريعة والالتزام بحدود الله، حتى أصبحوا محل تقدير العلم، وفقكم الله لكل خير؟
الجواب
هذا السؤال سؤال مهم، وشكر الله للسائل عنايته بهذا الأمر.
وقد بلغنا وسمعنا جميعاً ما يثير أعداء الإسلام ضد هذه البلاد بناءً على تطبيقها للشريعة الإسلامية، وهذا أمر لا ينبغي السكوت عنه، ولا ينبغي أن يمر على الدعاة والعلماء والأئمة والخطباء وطلاب العلم دون أن تكون هناك وقفة ترضي الله عز وجل.
فهذه البلاد أنعم الله عز وجل عليها بتحكيم الشريعة الإسلامية، وأنعم الله سبحانه وتعالى على ولاة أمرها، فنسأل الله أن يثبتهم على الحق وأن يعينهم عليه وأن يكبت أعداءهم وأن يصرف عنهم سوءهم، ولا شك أنهم محسودون على هذه النعمة.
حسد أعداء الإسلام هذا الخير الذي تعيشه هذه الأمة، وهذا الأمن وهذه الرحمة التي عاشت فيها الأمة بخير عظيم من الله سبحانه وتعالى، فأصبحوا يشوشون ويرجفون ويكيدون باسم حقوق الإنسان، ووالله إنه لحقد دفين على هذه الأمة، وهذا التدخل السافر لا يمكن أن يقبله أي إنسان منصف في شئون المسلمين؛ إلى درجة أن يدخلوا بيننا وبين شرع الله عز وجل الذي رضينا به سبحانه رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ فيريدون أن يدخلوا بيننا وبين الله جل وعلا.
أصبح أعداء الإسلام في منتهى الوقاحة والسفور، إلى درجة أن يدخلوا بين المسلمين وبين شريعة ربهم، ولا شك أن هذا الحقد وهذه الأذية والكيد السافر للإسلام والمسلمين ينبغي للأئمة والدعاة والخطباء أن لا يسكتوا عنه.
ينبغي التعامل مع هذه الأذية؛ لأنه بلغنا أن الأعداء يقولون: لن نسكت، ويقولون: إننا سنثير هذه المسألة المرة بعد المرة، والقضية ليست قضية حقوق إنسان، القضية كيد لهذا الدين، وكيد لهذه الأمة المسلمة، ونوع من الإرجاف والإضعاف لهذه القوة التي خاف منها أعداء الإسلام.
من هذه النعمة العظيمة أن مئات الألوف والملايين يعيشون على هذه الأرض، ولا يمكن لأحد أن يحيد عن صراط الله عز وجل فيسرق إلا قطعت يده، ولا يزني إلا أقيم عليه حده، ولا يفعل أي حد من حدود الله إلا أقيم عليه شرع الله عز وجل، فكبت أعداء الله عز وجل، وحيل بين الناس وبين حدود الله عز وجل، هال الأعداء هذا الخير وهذه الطمأنينة وهذا الأمن، وهم لا يريدون هذا.
فليس هناك حقوق للإنسان يبحثون عنها، هؤلاء يريدون أن يفرقوا بين الناس وبين دينهم، وبين المسلمين وإسلامهم.
فإذاً: لا بد من وقفة خاصة من أهل العلم، ومن المنتسبين لهذه الدعوة ولهذا الدين، وأن يكون عندهم وقفة صادقة تدعو الناس إلى الترابط وإلى القناعة التامة بهذا الدين؛ لأن أعداء الإسلام أخوف ما يخافون من هذه الأمة أن تماسك جبهتها الداخلية، ولا يفكرون في شيء مثل زعزعة الناس والدخول بينهم واختراق صفوفهم، فينبغي على الأئمة والخطباء من وجهة نظري إذا شوش أعداء الإسلام في حقوق الإنسان وتطبيق الشريعة والحدود؛ أن يعتنوا بالخطب الهادفة المركزة التي تبين الحدود خطبة بعد خطبة، خطبة عن حد القصاص وآثاره الحميدة على النفوس، وما يثمر من الأمن للناس في أرواحهم وأنفسهم، وخطبة عن حد السرقة، وما ذكر العلماء والأئمة فيها، وخطبة عن حد الزنا، وخطبة عن حد الحرابة، وعن الثمرات التي تجنيها الأمة الإسلامية من تطبيق شرع الله عز وجل، من رضا الله سبحانه وتعالى، وحلول الخيرات، ودفع النقم والبلاء عن المؤمنين والمؤمنات.
هذه الخطب يعتني فيها الخطيب الموفق بالرجوع إلى كتاب الله وكلام أئمة التفسير حول الحكم والأسرار المبنية على الحدود، فيبين للناس الحدود حداً حداً، حتى يصبح الناس في وعي كامل وقناعة تامة بهذه الشريعة، لا نريد قناعة مبنية على العواطف، المسألة اليوم أصبحت مسألة مواجهة، لا بد للأئمة والعلماء وطلاب العلم والحاضرين أن يقوموا بدورهم، وعلى مراكز الدعوة أن تنشئ المحاضرات التي تثقف الناس وتبين لهم أمر دينهم، فلا بد أن يكون عند الناس قناعة مبنية على أساس صحيح.
أولاً: الناس على فطرتهم، مؤمنون بشرع الله، فلو أتيت إلى رجل في برية أو بادية تسأله عن شرع الله لم يقبل النقاش؛ لأن القضية عنده مسلمة وسيقول لك: الله أمر انتهى، ولا يبحث عن الحكمة ولا يسأل عنها، يقول: الخير كله في أمر الله.
لكن اليوم غزت الفضائيات العقول، وأتت بالسموم، ولبّس الحق في الباطل، فلا بد من وعي، وهناك شباب بريء وأطفال صغار يسمعون، وتحاك لهم المؤامرات من التشويش عليهم لنزع ثقتهم من أمتهم ودينهم وشريعتهم، هناك تشكيك في هذه الأمور، وطعن للأمة من داخلها حتى تنشأ أفراد تتأثر بهذه الأفكار لأن أعداء الإسلام دائماً يرمون ويخططون إلى الغد لا إلى اليوم.
ولذلك لا بد أن نواجه هذا السيل الجارف، والحقد الدفين، والإفك المبين بقوة تردعه، ولا يردعه مثل سلطان الحق، ولا تردعه مثل الكلمة الصادقة المبنية على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقولها الموفق المسدد.
فلا بد للأئمة أن يعتنوا بهذا، وأن يتواصى طلاب العلم فيما بينهم ببيان حكم الشريعة، والتحدث عن مثل هذه الحدود وآثارها الإيجابية وعواقبها الحميدة، وأن نتواصى بالحق؛ لأنه لا يسعنا السكوت؛ ولأن إغاظة الكافر مطلوبة، وأعداء الإسلام إذا وصلوا إلى درجة أن يأتونا في عقر دارنا لكي ينظروا إلى حقوق الإنسان؛ فماذا بقي بعد ذلك، قبحهم الله؟! ألا شاهت وجوههم! فلينظروا إلى دولهم وما فيها من سفك الدماء البريئة، وانتهاك الأعراض، وبيع النساء كالسلع في الحانات والخمارات، ما بحثوا عن هذا ولا فكروا فيه، إنما فكروا في البلاد الآمنة المطمئنة، وفكروا في البلاد المسلمة المسددة الموفقة التي أصبحت مضرب المثل، فالشمس لا يمكن لأحد أن ينكر ضوءها، هذه حقيقة وشيء يشكر؛ لأن من الإنصاف والحق أن يقال للمصيب: أصبت، وأن يقال للمبطل: أبطلت، فهؤلاء يكيدون.
هؤلاء لا يريدون الخير الذي نعيشه وتعيشه الأمة، وقد هالهم ما يرون، حتى إن مواسم الحج التي يأتي فيها الملايين هالهم هذا الأمن من أمم مختلفة الأجناس والأعراف والدول، كلها تأتي لتطبيق دين الله وشريعته.
فيأتون يشككون باسم حقوق الإنسان، أي حقوق للإنسان التي يهتفون بها؟! دماء تسفك! وأعراض تنتهك في مشارق الأرض ومغاربها وما حركوا لها ساكناً، نساء ترمل! أطفال تيتم وما حركوا لها ساكناً، كل هذا لا يبحثون عنه، فالدعوة ليست دعوى حقوق إنسان، وهذا هو الذي يغيظ، وهذا الذي ينبغي أن تنطلق منه حمية الدين لا حمية الجاهلية، أن تكون عندنا غيرة على هذه الأمة وعلى هذه البلاد وعلى هذا الأمن، وعلى هذا الخير الذي نرفل فيه؛ لأن هذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها، ومن كفر نعمة الله بدل الله عز وجل عليه نعمه، نسأل الله أن لا يبدل علينا نعمه.
فالواجب علينا عدم السكوت على هذا، والواجب علينا أن نتواصى، وأن نقول الكلمة المهمة ولا نجيب بعاطفة ولا بخواء، نريد كلاماً سليماً مصيباً مبنياً على حجج مقنعة، والحمد لله فالحجة عندنا؛ لأن الله يقول: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:١٤٩] وإذا نطق كتاب الله بأمر فهو الأمر الذي لا يمكن أن يرد: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:٤١] فالله حكم ولا يستطيع ابن النصرانية أو ابن اليهودية أن يعقب على حكم الله جل وعلا، ولا نرضى بهذا؛ لكن لا نرضى بهذا حينما نتعقل في معالجة هذا الداء، وبتر واستئصال شأن هذا الشر، وذلك حينما يسمع أعداء الإسلام أن هذه الأمة لا تقبل أن يتدخل أحد في شئونها، ولا تقبل من داخلها أن يخترق أحد صفوفها، ولذلك ينبغي توعية الشباب، وتوعية الأحداث الصغار.
ولذلك هناك واجب على الأئمة والخطباء، والأقلام التي تخاطب الناس في وسائل الإعلام والتوجيه المسموع والمرئي؛ أن يقوموا بكلمتهم، وأن يوجه الناس؛ لأننا نخشى أن تبث هذه السموم فتجد من يتلقاها، وإن كنا على قناعة أن الأمة على ثقة بدينها، وأن أعداء الإسلام أحقر من أن يدخلوا بين المسلمين وبين ربهم، ولكن لا بد أن ننبه على هذا.
وإنني والله أقولها من قلبي، والله يشهد أنني ما أقولها إرضاءً لأحد ولكن إرضاءً لله: شكر الله لولاة الأمر في هذا البلد ثباتهم على الحق، ولقد سمعت بأذني ما صرح به وزير الداخلية من كلام يثلج الصدر، ويبهج النفس، من كشف عور الأعداء وبيان كيدهم، وأنهم لا يريدون إلا الحقد على هذه الأمة وعلى دينها، وقال: إنهم أعداء للإسلام، حتى يستطيع الإنسان أن يقف منهم الموقف الصحيح، فهذا أمر يثلج الصدر؛ لأن كل من نصر هذا الدين ننصره ونحبه، وهذا دأبنا، ولا نزكيهم على الله من نصرتهم للحق نسأل الله أن يثبتهم عليه، وأن يعينهم عليه، وأن يكبت أعداءهم فيه، وأن يجعلهم حماة لهذا الدين ورعاة للحق.
ولا شك أنهم موفقون ما داموا يقولون بذلك ويحمونه، ولا شك أنهم منصورون، لسنا نحن الذين ننصرهم، وليسوا بحاجة إلى نصرنا، لكنهم أحوج ما يكونون إلى نصر الله عز وجل، إنما نقول هذا لأن هناك واجباً ومسئولية، وهناك فرضاً محتماً على أبناء الدين الإسلامي.
وكلنا والحمد لله في هذا البلد نؤمن بهذا الإسلام، ليس عندنا تيارات دينية وكافرة، ولكن نقول: إن كل شيء ينصر هذا الدين ينبغي أن نقف معه الوقفة التي ترضي الله عز وجل.
والله عز وجل أخبر في كتابه أن المجاهدين في سبيل الله ما وطئوا موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم، والجهاد كما يكون بالسنان وباللسان، ويكون بالحجة والبيان، فالذي يتكلم بحجة وبكلام قوي ومبني على حجة فقد نصر الدين، ومن تكلم كلاماً في وجه أعداء الله عز وجل لرد شبهاتهم وضلالاتهم فقد جاهد في سبيل الله؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم لما نزل قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُ