قال رحمه الله:[أو استنفره الإمام] السين، والتاء: للطلب، والنفير: طلب الخروج، والمراد هنا: طلب الخروج الخاص وهو الخروج للجهاد في سبيل الله عز وجل.
وهذه هي الحالة الثالثة التي يصير الجهاد فيها فرض عين، وهي: أن يطلب ولي الأمر من المسلمين الخروج للجهاد، فيجب عليهم أن يخرجوا، ويتعين على كل من أطاق القتال أن يخرج، فيخرج بدون إذن والديه، ويخرج أيضاً بدون إذن دائنه ومَن له حقٌّ عليه، ويخرج كل من أطاق القتال على الصورة التي ذكرناها في الحالتين السابقتين.
ولا يستنفر الإمام إلا في أحوال مستثناة، وهي الأحوال التي يكون الخطر على الأمة، أو الخطر على جماعة، ولذلك لا يستنفر، إلا لمصالح عظيمة، أو درء مفاسد أعظم، ولذلك تكون هذه الحالة من الأحوال التي يتعين فيها الجهاد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}[التوبة:٣٨] وهذا الاستفهام استفهام إنكاري، ولذلك يقول العلماء: إنه من القرائن والدلائل التي تدل على حرمة الفعل، فمن استُنْفِر للجهاد في سبيل الله وامتنع فإنه يعتبر مخالفاً لأمر الله عز وجل، مرتكباً لما حرم الله، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:(لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا).
وفي حكم الاستنفار مَن رُتِّب للقتال، فجاء الأمر بخروجه، فإنه يتعين على جميع الأفراد أن يقاتلوا، ولا يجوز لهم أن يتخلفوا، ولا أن يحتالوا بالامتناع عن الخروج، ويأثمون إن فعلوا ذلك.
فيصير الجهاد في هذه الأحوال فرض عين، يأثَم الإنسانُ بتركه، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله.